فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

نادر نور الدين لـ فيتو: الفلاح لا يشعر بوجود سياسات زراعية.. المنظومة تدار بلا «مايسترو».. ارتفاع أسعار المدخلات.. تقلبات حادة يتحملها المزارعون الصغار.. والأمن الزراعي في خطر

الدكتور نادر نور
الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية والأراضي

فتحالدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية والأراضي بكلية الزراعة جامعة القاهرة النار على واقع الزراعة في مصر، كاشفًا عن حجم المعاناة التي يعيشها الفلاح بين ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع العائد، وغياب التخطيط الزراعي القومي، وتقلبات السوق التي تترك من دون حماية حقيقية لصغار المزارعين.

نور الدين يؤكد في حوار تشريحي لحال الفلاح في مصر مؤكدا  أن الفلاح لم يشعر بثمار أي سياسات زراعية على أرض الواقع، محذرًا من أن استمرار الخسائر يدفعه إلى هجر الأرض، بما يهدد الأمن الغذائي، ويعمق الفقر في الريف، كما يطرح رؤية متكاملة لإعادة الاعتبار للفلاح باعتباره العمود الفقري للمنظومة الزراعية، ويضع روشتة إصلاح تبدأ من «التسويق قبل الزراعة» وتنتهي بسياسات عادلة للتسعير والدعم والحماية من جشع الوسطاء.

ما تقييمك للوضع الحالي للفلاح، وهل يشعر بثمار أي سياسات زراعية على أرض الواقع؟!

الفلاح المصري قضى أسوأ عام يمر عليه، فالحمى القلاعية ضربت مواشيه، وهو أمر خطير، حيث إن صغار المربين من أصحاب البقرتين والجاموستين يساهمون بنحو 80% من إنتاج اللحوم في مصر، والمواشي المصابة من الصعب شفاؤها، وبعض الفلاحين باعوا مواشيهم بنحو ألفَي جنيه، وهي سعرها قبل المرض 30 ألف جنيه.

ما تأثير انخفاض بعض أسعار السلع على الفلاح؟

عانى الفلاح انخفاض أسعار جميع منتجاته سواء محاصيل أو خضراوات أو فاكهة مع ارتفاع كبير في أسعار مدخلات الإنتاج من الأسمدة والمبيدات والتقاوي والعمالة وإيجار الأرض الزراعية، يكفي أن نعلم أن فدان البطاطس الذي تكلف 100 ألف جنيه! لم يحقق عائدًا إلا 40 ألفًا فقط! وهذا الفلاح الفقير لا يمكن أن يتحمل هذا القدر من الخسائر، نفس الأمر تكرر مع الفراولة وإيجار فدانها 50 ألف جنيه! والتي تباع حاليًّا وهي بشاير 20 جنيهًا للكيلو، بما تسبب في خسائر فادحة، وبالمثل نجد أسعار الموالح يوسفي وبرتقال في أقل مستوياتها، وكذلك البصل والثوم والبطاطس وكل الخضراوات أي أن كل الزراعات أصابت الفلاحين بخسائر.

والسبب في ذلك غياب المايسترو الذي يدير المنظومة، والذي يحدد المساحات التي ينبغي زراعتها وعدم تجاوزها من كل محصول طبقًا لاحتياجات التصدير واحتياجات السوق المحلي، ولكنهم تركوا الفلاح بدون تخطيط ولعقليته البسيطة، فهو يزرع طبقًا لأسعار العام الماضي، وتصريحات المسئولين عن أن مصر تتربع على قمة الدول المصدرة للموالح والفراولة والرمان، وبالتالي زرعها الفلاح ودخل منتجين جدد في غياب الناصح والمرشد باحتياجات الأسواق العالمية من كل محصول والتشديد على عدم تجازها حتى لا يخسر المزارعون، ويهبط بأسعار السوق ويضر غيره، فالقواعد الحديثة للزراعة عالميًّا هي التسويق أولًا قبل زراعة أي محصول، كي تكون لها أسواق ومضمون بيعها وتحقيق ربحية جيدة منها، وليس الزراعة ثم البحث عن أسواق والتي تسبب خرابًا للجميع.

ما رأيك في السياسات الزراعية التي تدار بها الزراعة في مصر؟

لم يشعر المزارعون بثمار السياسات الزراعية فحسب، فهو لم يشعر قَطُّ بوجود سياسة زراعية من الأصل، بمعنى خطة قومية لتطوير والنهوض بإنتاج القمح وأخرى للبصل والثوم وثالثة للفراولة وأخرى للموالح، والتعاقدات المسبقة مع المزارعين وهو غائب تمامًا، ويكفي أن الفلاحين يتكدس لديهم محصول القطن كاملًا حتى الآن، ولا يجدون من يشتريه لعدم تقدير احتياجات التصدير والسوق المحلي، وتم تقديم الوعود للمزارعين بأن مزادات البيع ستجرى تقريبًا، ولكن الأيام مرت من دون تحقيق ذلك، وهناك صعوبات مماثلة لمزارعي بنجر السكر.

الحملات القومية اختفت، وسياسات التطوير والتحسين للأصناف القائمة غائبة ووضع خطة لإنتاج التقاوي التي نستوردها غير موجودة والطموحات غائبة، على الرغم من أن مناخنا يسمح لنا بأن نكون قاعدة لإنتاج وتصدير كافة أنواع التقاوي للخضراوات والمحاصيل الحقلية، كما نعاني غياب التطوير لتلبية متطلبات التصدير، وبالتالي لا أحد يشعر بوجود سياسة زراعية واضحة لتحقيق الأمن الغذائي مثلًا أو لتطوير الصادرات أو لعودة الزراعة مهنة رابحة أو لتقليل الفقر في الريف بزيادة دخل الفلاح، أو عدم المغالاة في إيجارات الأراضي الزراعية، التي وصلت إلى أرقام عالية جدًّا تضغط على الفلاح وعلى المستهلك، وتأخذ الربحية مقدمًا غير عابئة بتعب الفلاح في كل زرعة لمدة ستة أشهر لا يتحصل فيها على دخل يعادل الحد الأدنى للأجور في الدولة! لم يربح الفلاح من زراعته كما ينص الدستور، فسيتركها ويبحث عن غيرها لتوفير احتياجات أولاده وبيته.

يشعر الفلاح بأنه الحلقة الأضعف في المنظومة الزراعية، كيف يمكن تقويته ليكون العمود الفقري لها؟!

ينبغي للفلاح أن يشعر بأن الحكومة سنده، وأن وزارة الزراعة داعمة له وفي صفه تمامًا، ليستمر في الإنتاج وليحافظ على أرضه ولا يبورها أو يبني عليها أو يبيعها أرض مبانٍ، وأن تحرص الحكومة على خروجه من دائرة الفقر.

تطوير الزراعة وتحديثها يمضي على قدم وساق في كل الدول، فالعالم الآن قطع أشواطًا كبيرة في الزراعة الذكية ثم الزراعة الرقمية، والآن إدخال الذكاء الاصطناعي في الزراعة، بينما ما زال نتحدث عن الزراعة الآلية بالماكينات وإيجارها غالٍ وأغلبهم يحصد القمح بالمنجل والشرشرة!

وعندما اشتكى المزارعون من غياب الأسمدة وأزمتها في الموسم الصيفي المنقضي خرج عليهم من يقول لهم “احمدوا ربنا أننا نوفر لكم السماد المدعم واشكروا الدولة على ذلك”، وهي لغة فيها تعالٍ، ولا تصح مع أبناء الوطن.

ومنظمة الأغذية والزراعة تقول نصًّا “إن دعم الحكومات للأسمدة هو لصالح الحكومة أولًا قبل أن يكون في صالح الفلاح”، لأن الفلاح إذا وضع نصف كمية الأسمدة فقط يتراجع محصوله بنسبة 30%، وإذا لم يضف الأسمدة نهائيًّا، بسبب عدم توافرها أو بسبب ارتفاع أسعارها فإن محصوله يقل بنسبة 50%، وبالتالي فالحكومة سوف تضطر إلى استيراد حاصلاتها الاستراتيجية بزيادة من 30-50% متحملة تكاليف تدبير العملات الأجنبية وتكاليف الشحن والتفريغ والتوزيع، بينما الزراعة المحلية توفر هذه الحاصلات موزعة على أغلب محافظات الجمهورية.

في الوضع الحالي ينبغي أن يشعر الفلاح بأنه محور اهتمام الدولة ورأس مالها في الأمن الغذائي الصادرات، وفي جدية خفض مستويات الفقر في الريف وفي دعم الفقراء الفلاحين في تكاليف مستلزمات الإنتاج والنظر إلى العائد من زيادة الإنتاج الزراعي وتأثيره على النهوض بالاقتصاد.

تأثير ارتفاعات الأسمدة والتقاوي والأعلاف على استمرار الفلاح في الزراعة؟

الارتفاع المتتالي لـ أسعار الأسمدة والمبيدات والتقاوي والسولار وإيجار الأراضي الزراعية والكهرباء وإيجار سيارات نقل المحصول للأسواق والعمالة تؤثر وبشدة على دخل الفلاح، حيث تزيد من نفقاته وتقلل من عائدة، وإذا وصل إلى مرحلة الخسائر المتتالية فقد يترك مهنة الزراعة قليلة أو معدومة الربحية ويبحث عن غيرها، وبالتالي ينبغي للدولة أن تكون أولى أولوياتها هو عودة الزراعة مهنة رابحة وتقليل الفقر في الريف ومساندة الفلاح فهو رأس مال الأمن الغذائي المصري.

هل ترى أن تسعير الحاصلات الاستراتيجية عادل للفلاح أم مفر ويدفعه إلى ترك الزراعة؟!

أولًا تسعير الحاصلات الاستراتيجية يتم بقرار يخرج من وزراء الزراعة والتموين والمالية فقط من دون إشراك الفلاحين في التسعير ومدى عدالته، بينما في الخارج وفي دول نامية مثلنا في الهند والمكسيك وباكستان وبنجلاديش يتم التسعير عن طريق تفاوض الحكومة مع التعاونيات الأهلية الممثلة للفلاحين ونقابات الفلاحين، وهم من يحددون السعر العادل للتوريد والذي لا تفرضه الحكومات فقط وذلك بناء على تكاليف الإنتاج وإيجار الأراضي الزراعية وأسعار المبيدات والأسمدة والتقاوي والتسويق والنقل والسولار، ثم تحديد التسعير التي تحقق ربحية عادلة للفلاح تفوق الحد الأدنى للأجور في الدولة، لأنها مهنة شقى وتعب لمدة 6 أشهر ومراقبة للإصابات الحشرية والمرضية، فمثلًا عندنا القمح المصري قمح فاخر يصنف على كونه قمح درجة أولى، بينما تقوم وزارة التموين بتسعيرة طبقًا لأسعار أقماح الدرجة الثانية في البورصات العالمية وهذا يبخس بحق الفلاح أن يبيع قمحه الدرجة الأولى بسعر قمح الدرجة الثانية، كما أن الدولة تتكلف نفقات الشحن البحري وفتح اعتمادات للبنوك للعملة الصعبة وعمولاتها ثم تفريغ في المواني ثم توزيع ونقل داخلي من المواني إلى جميع المحافظات، وتدفع ذلك راضية، بينما ينبغي إضافة هذه التكاليف إلى سعر القمح المصري ليربح الفلاح منه ويقبل على زراعته دوما، وبالتالي ينبغي تسعير القمح المصري طبقًا لسعر الأجنبي الواصل إلى مصر ومحافظاتها وليس بسعره في البورصة، ونحن في وزارة التموين نفرض خلط القمح الأجنبي الأقل جودة مع القمح المصري عالي الجودة بنسبة 50%، وذلك ليقوم القمح المصري بتحسين جودة الدقيق الناتج من الطحن وبالتالي جودة الرغيف، ولا يتساوى مع القمح المصري إلا الأسترالي الفاخر وهو مرتفع السعر، وبالتالي ينبغي مكافأة الفلاح على جودة إنتاجه من القمح، وبالمثل أيضًا مع تقاوي البطاطس وكانت الدولة تستوردها في السابق عن طريق الهيئة الزراعية المصرية وتصل بجودة عالية خالية من الإصابات الحشرية والفطرية والفيروسية، لأن العقاب حاسم والتحويل للنيابة، وسعر رخيص للمزارعين ثم تركناها للقطاع الخاص في استيرادها منذ عام 2005 والذي غالى كثيرًا في ربحيته منها، ويمكن حاليًّا لجهاز مستقبل مصر والذي أصبح مسئولًا عن استيراد القمح والذرة وفول الصويا أن يقوم بهذا العمل بشكل تنافسي مع القطاع الخاص بما يعمل على تخفيض ثمن التقاوي، كما تسبب في تخفيض أسعار فول الصويا والذرة الصفراء وبالتالي الأعلاف التي تمثل 65% من تكاليف إنتاج الدواجن والبيض والأسماك واللحوم الحمراء، وكان من الطبيعي عند انخفاض أسعار الأعلاف الحيوانية أن تنخفض معها أسعار الدواجن والبيض، ولكنَّ المنتجين يملأون الدنيا صراخًا بأنهم يخسرون حاليًّا وتدعمهم قيادة بيطرية سابقة في الوزارة وهذا غير صحيح، لأنه من الطبيعي عند انخفاض أسعار الأعلاف حاليًّا أن تنخفض معها أسعار الدواجن والبيض والأسماك واللحوم ولكنهم يطبقون سياسة أن ما يرتفع أسعاره لا ينخفض ثانية أبدًا، وينبغي للوزارة أن تذكر لهم تكاليف الإنتاج في العام الماضي بتكاليفه هذا العام، حتى يعلموا أن هذا هو السعر العادل بسبب انخفاض تكاليف الإنتاج، وتوازن الأسواق.

ما أسباب غياب الحماية الحقيقية للفلاح من تقلبات السوق؟

سياسات الخصخصة المطبقة بالشكل الحالي دفع ثمنها الفلاح فقط، وأنا مع الخصخصة في أمور كثيرة ولكن على سبيل المثال وأنا أعمل مستشارًا لوزير التموين عام 2005 تركنا للقطاع الخاص استيراد قمح الرغيف المدعم ومنتجات الأفران الأفرنجي كتجربة، ولكنه مع أول أزمة للدولار وارتفاع أسعاره توقفوا عن الاستيراد، وكادت تحدث مشكلة كبيرة في إنتاج رغيف الخبز وفينو المدارس، وقامت هيئة السلع التموينية بصرف دقيق لإنتاج فينو المدارس وأيضًا للدقيق الحر والرغيف الحر، وبالتالي فهناك أمور استراتيجية وأمن قومي مثل رغيف الخبز ومنتجاته، وتقاوي الفلاحين ينبغي للدولة أن يكون لها دور رئيسي فيها، ولو كمنافس لضبط الأسعار ومنع مغالاة القطاع الخاص في أرباحه، ومنها بعض المبيدات الحيوية وليس كلها وبعض تقاوي الحاصلات الاستراتيجية.

كما ينبغي أن تقود وزارة الزراعة ثورة في إنتاج التقاوي التي نستوردها وأن ننتجها في بلدنا، فهي تحتاج مساحات صغيرة ولكن عائدها كبير للغاية وتعطينا قوة في الأسواق العالمية، وحولنا بعض الدول الصغيرة التي تقوم بتصدير كميات كبيرة من تقاوي الخضراوات والمحاصيل ومصر ينبغي أن تقتحم هذا المجال وبقوة، هذا أيضًا يقلل من دور الوسطاء الذين يشاركون الفلاح في أكل عيشه، فمثلًا في سوق الخضراوات، فهناك تاجر الحقل الذي يشتري المحصول من الفلاح في أرضه، ثم تاجر الجملة ومنه تاجر التجزئة، وكل منهم يحصل على ربح مماثل لما يحصل عليه الفلاح الذي تكلف تقاوٍ وأسمدة ومبيدات وإيجار وعمالة وتسويق، فمثلًا تاجر الحقل يشتري الطماطم من الفلاح بجنيه، ثم يبعه لتاجر الجملة بجنيهين وتاجر الجملة يبعه لتاجر التجزية بثلاثة جنيهات، ثم تاجر التجزئة يبعه للمستهلك بأربعة جنيهات! وبذلك يكون الفلاح قد حصل على جنيه واحد، بينما حصل التجار على ثلاثة جنيهات أي ثلاثة أضعاف ما يحصل عليه الفلاح الذي زرع وحصد وتعب وتكلف، ولكن أرباح التجار من دون تعب ولا تكاليف، وبالتالي فقد كانت هناك سياسات سابقة ترفع شعار من المنتج إلى المستهلك، وينبغي أن نفكر في كيفية عودتها بحيث يحصل الفلاح على سعر عادل لتعبه وأيضًا يحصل المستهلك على سعر مناسب.

ما رأيك في القوانين المنظمة للزراعة في مصر، وهل تحتاج إلى التعديلات؟

على الرغم من أن قانون تحرير الزراعة مطبق منذ عام 1993 أن الفلاح يزرع ما يشاء ويبيع ويورد لمن يشاء، فإن وزارة الري مثلًا تحدد مساحات زراعات الأرز، على الرغم من كونه من أهم مكونات المائدة المصرية وبزعم أننا دولة شح مائي، ولكن الحقيقة نحن لا نستخدم المياه الواردة إلينا من دول منابع النيل ولكننا نعيش ونستخدم مياه بحيرة السد العالي بمحزون 162 مليار متر مكعب سنويًّا ونضخ كميات كبيرة في مفيض توشكى من دون استفادة منه، وبالتالي فهذا المخزون الكبير وظيفته هو معالجة الشح المائي والذي لم يراعَ في حدوده مخزون السدود الموجود في بعض الدول، وبالتالي بالأمر متعلق بمخزون البحيرة وليس بمواردنا المائية وبالتالي ينبغي زراعة ثلث أراضي الدلتا البالغة 4.5 مليون فدان أي نحو مليون ونصف مليون فدان سنويًّا بالأرز كبديل وحيد لفيضان نهر النيل قبل بناء السد العالي، ولأن البحر المتوسط رفع مستويات تركيز الأملاح في نحو 64% من أراضي الدلتا طبقًا لأبحاث علمية دولية موثقة، وهذه الأملاح ينبغي غسيلها دوريًّا حتى لا تخرج الأراضي الزراعية عن إنتاجيتها وتبور ثم تتصحر ولا سبيل لذلك إلا بزراعة 1.5 مليون فدان سنويًّا بالأرز وهو ما يحقق الاكتفاء الذاتي للشعب المصري ويكفينا شر ارتفاع أسعار الأرز عالميًّا.

كذلك الدولة أيضًا تدخلت في عدم التوسع في زراعات قصب السكر على الرغم من أن شركات السكر الحكومية في الصعيد لديها أراضٍ شاسعة كانت مخصصة للتوسع في زراعة القصب وزيادة الإنتاج من سكر القصب، وسمحت فقط بالتوسع في زراعة بنجر السكر، بحجة أنه أقل استهلاكًا للمياه من القصب، وهو فارق بسيط، لأنه البنجر يستمر 8 أشهر في الأرض الزراعية، كما أنه من حاصلات المناطق الباردة، لذلك يزرع في أراضي الدلتا فقط، وبحد أقصى الفيوم والمنيا، وهذا أدى إلى إحلال بنجر السكر محل زراعات استراتيجية مهمة تزرع في الدلتا وأهمها الفول والقمح، وحتى القمح، وبذلك تراجع إنتاجيتها وزادت استيرادنا منها، كما وأن فدان قصب السكر يعطي 2.25 مرتين وربع سكر مثل فدان بنجر السكر، كما أنه محصول سنوي ومناسب لعادات أهل الصعيد ودرجات الحرارة الحارقة هناك في فصل الصيف، وبالتالي كان من الأفضل استثمار المناخ الحار لأراضي محافظات الصعيد في التوسع في زراعة قصب السكر، والاستفادة من مناخ البارد شتاء والمعتدل صيفًا في زراعات الحاصلات الاستراتيجية المهمة والتي تهم رجل الشارع مثل الفول والعدس والحمص والقمح وغيرها.

ما رأيك في مشاريع استصلاح الصحراء لزيادة الإنتاجية الزراعية؟

خطوة جيدة، ولكن ليس من المقبول أن نستصلح ونزرع أراضي الصحراء ثم نهدر ونفقد أراضينا السمراء الخصبة، ولكن الأولوية للحفاظ على الأراضي القديمة عالية الخصوبة وعالية الإنتاجية قبل الذهاب للصحراء ولا الشح المائي على أراضي الدلتا فقط التي تعتبر رأس مال مصر الزراعية؟!

وكل ذلك يحدث بسبب غياب النظرة الخبيرة التي تشرح هذه الأمور للقيادة السياسية وتحسن زراعة واختيار الحاصلات المناسبة في الترب المناسبة وفي المناخ المناسب، ولكن دخول غير المتخصصين في قطاع الزراعة أدى إلى خسائر كبيرة للدولة وللفلاح ولعملتنا الأجنبية وللاقتصاد كل هذه أمور تعتبر حماية للفلاح، وترفع من دخله بسبب الزراعة المناسبة في المكان المناسب، وتحافظ على الأراضي الزراعية من التدهور والتصحر، وتزيد من إنتاجية الحقول لصالح الفلاح ولصالح الدولة.

القطاع الزراعي ثروة كبيرة للبلد ينبغي حسن التعامل معها ومع القائمين عليها من الفلاحين الغلابة والذي ينبغي أن يشعروا برعاية وحماية الدولة لهم وحرصهم عليهم. أما تقلبات الأسعار وشبكة الوسطاء فقد أوضحناها والعمل على تطبيق نظام من المنتج إلى المستهلك ومن الحقل إلى الفم، وأن يتشارك التجار في الأرباح مع المزارعين وليس أن يربحون وحدهم، ويخسر الفلاح فهذا استغلال مقيت للغلابة.

هل تمتلك وزارة الزراعة رؤية واضحة لدعم الثروة الزراعية والحيوانية والدواجن أم تكتفي بإدارة الأزمات؟!

الحقيقة في العام الماضي لم نرَ أي اهتمام من الوزارة بالفلاح ومشاكله وتطبيق سياسة منع الأزمة قبل وقوعها بدلًا من إدارة الأزمات، فالفلاح عانى مثلًا مرض الحمى القلاعية، ثم نقص تقاوي القمح عالية الإنتاجية والتي توفرها له الوزارة كل عام، ثم يخرج متحدث الوزارة ليقول إن استخدام الفلاح للتقاوي الكسر من إنتاج حقله في الموسم الماضي لن يقلل إنتاجية الفدان؟! وهذا أمر عجيب لأن الوزارة طوال الوقت تناشد الفلاحين بزراعة التقاوي المعتمدة فقط والتي تزيد محصوله 30% على الأقل وتبيعها لها بضعف سعر استلامها للقمح من الفلاحين! فإذا كانت التقاوي المعتمدة من إنتاج الوزارة لا تزيد المحصول فلماذا تبيعها له الوزارة بضعف الثمن؟! فهل هذا استغلال أم تبرير في غير موضعه؟! إنتاج الوزارة 40% فقط من احتياجات الفلاحين من تقاوي القمح المعتمدة لا ينبغي أن يمر من دون تحقيق ولا تصريح المتحدث الإعلامي بأنها لا تزيد المحصول، وليس هناك فرق بينها وبين التقاوي الكسر أو تقاوي العلافين!

أيضًا أزمة الأسمدة في الموسم الصيفي المنقضي، فقد تسلم الفلاحون نصف المخصصات فقط، وبالتالي اشتروا النصف الثاني من السوق الموازية، ثم أزمة تراكم محصول القطن طويل التيلة لدى المزارعين وانخفاض مساحته إلى 200 ألف فدان بدلًا من 2 مليون فدان في السابق، وعدم تطبيق زراعات القطن قصير التيلة الذي تحتاجه مصانعنا والتمسك بالقطن طويل التيلة الذي لم تعد له استخدامات كثيرة مثل الماضي، ويمكن تخصيص زراعته في الدلتا، بينما يتم زراعة القطن قصير التيلة في أراضي الصعيد المناسبة له حرارة وجفاف وفي الأراضي البعيدة مثل توشكى وشرق العوينات لمنع الاختلاط مع القطن طويل التيلة. 

هل تستغل الدولة الخبرات الزراعية في تطوير الزراعة؟

الخبرات الزراعية ثروة قومية لا يتم استثمارها في مصر بالشكل الأمثل، ولعلها الوزارة الوحيدة التي لها وزير من خارج التخصص لثلاث مرات منذ عام 2005، بينما لن ينهض بالإنتاج الزراعي إلا الخبراء وأصحاب الرؤية الزراعية وليس غيرهم، منصب وزير الزراعة فني وليس سياسيًّا ولا إداريًّا ويمس حياة 60% من سكان مصر! ويحقق أعلى رضا عن الأداء الحكومي والغائب منذ فترة.

ما الاستراتيجيات التي يجب الاستناد إليها كي يصل الدعم الحكومي إلى الفلاح الفقير؟

هناك أمور كثيرة تحدث وينبغي علاجها، فمثلًا في صرف الأسمدة ينبغي أن يكون للفلاح الذي يزرع الأرض فعلًا، وليس لصاحب الأرض الذي أجرها للفلاح، والذي لا يعطيها للفلاح صاحب الحق وبالتالي تتسرب للسوق الموازية وتحقق ربحًا للملاك على حساب الفلاح المستأجر للأرض والذي من حقه فقط صرف الأسمدة ضمن إيجار الأرض، أيضًا تهرب مصانع الأسمدة من توريد الحصص للوزارة، وينبغي للوزارة عدم منح تراخيص التصدير إلا بعد أستلام الحصص المقررة على المصانع، وأيضًا منع تحايل المصانع من بيع وتصدير المنتجات الوسطية لصناعة الأسمدة مثل الأمونيا السائلة للتحايل على عدم تصدير الأسمدة إلا بتصريح، بينما هي جزء أصيل من تصنيع الأسمدة مثل نترات الأمونيوم واليوريا وجميعها تعتمد على الأمونيا السائلة التي لا تصنف على كونها أسمدة ويستغلها أصحاب المصانع، وبالتالي فالأمور تحتاج إلى أن توضع في نصابها، وكذلك لا بد أن يكون للدولة دور في تسعير أسعار التقاوي والمبيدات والأسمدة المستوردة يضمن تحقيق ربح مناسب للمستوردين، ولكن يمنع الاستغلال والمغالاة، فقد عملت لثلاث سنوات في لجنة تراخيص الأسمدة في وزارة الزراعة مؤخرًا مع الوزير السابق وكنا نمنح نحو 180 تصريح تداول الأسمدة كل أسبوعين أي 360 سمادًا شهريًّا أي نحو أكثر من أربعة آلاف نوع من الأسمدة الجديدة سنويًّا! فهل يحتاج السوق المصري إلى كل هذا العدد من الأسمدة؟!

ما رأيك في دور الجمعيات الزراعية حاليًّا في تطوير الزراعة؟
تحتاج إلى رقابة ومتابعة، وفيها الصالح والطالح، وبالتالي فينبغي الاهتمام بشكاوى الفلاحين والتحقق منها، وأن يعمم كارت الفلاح مثل كارت وزارة التموين لصرف الرغيف المدعم والسلع التموينية بحيث لا تصرف متطلبات الفلاح إلا بهذا الكارت فقط لمستحقيه، وبما يحمي الفلاحين من الفساد وتسرب الأسمدة للأسواق الموازية وشرائها بثلاثة أضعاف ثمنها، مع الحفاظ على الشرفاء فقط العاملين في هذه الجمعيات، وأيضًا الرقابة على التعاونيات لأن بعضها غير حقيقي، وتصرف كميات كبيرة من الأسمدة من دون رقابة عليها ومن دون ضمان وصولها إلى الأراضي المنزرعة فعليًّا والتابعة لهم. القطاع الزراعي يحتاج إلى رقابة ومتابعة وتطوير الأداء.