إحنا آسفين يا ست (2)
أكدنا في المقال السابق، أننا جميعا، مقصرون في حق سيدة الغناء العربي.. ولعلاج هذا التقصير، والتكفير عن ذنبنا هذا؛ ينبغي للجمهور مقاطعة الفيلم المسيء، وعلى الحكومة وقف عرضه، أما الهيئة الوطنية للإعلام، فعليها أن تعد فيلما (مدته ساعتان، أو ساعتان ونصف)، اعتمادا على مادة المسلسل التليفزيوني الجميل “أم كلثوم”، الذي أخرجته المبدعة إنعام محمد علي، وقامت ببطولته الفنانة صابرين، ليتم عرضه في السينمات؛ بهدف محو الآثار السلبية لفيلم “الست” الكارثي.
أم كلثوم أبدعت في كل ألوان الغناء، لكن أكثر ما يشدني هو الأغاني الدينية.. فمن منا، أيا كان عمره، أو مستواه الثقافي والتعليمي، لا يقشعر جسده، وتدمع عيناه، حين ينصت إلى سيدة الغناء العربي، وهي تشدو: “يا رسول الله خذ بيدي”.
ولهذه الأنشودة التي تسمو بالأرواح حكاية تستحق أن تُروى، فقد كانت أم كلثوم في مدينة مراكش المغربية عام 1968، عندما أنشدت فرقة الكورال المغربية في أداء مديح "يا رسول الله خذ بيدي"، فما كان من الست إلا أنها، من فرط انفعالها، ووجدها، شاركت الفرقة مديح سيدنا رسول الله، من فرط حبها للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم.
أما أنشودة “طلع البدر علينا.. من ثنيات الوداع………”، فهي إحدى روائع كوكب الشرق الفنية الدينية التي قدمتها ضمن "الثلاثية المقدسة"، من كلمات الشاعر المصري صالح جودت، وألحان رياض السنباطي.. وهذه “الثلاثية” أيضا، لها من الروحانيات ما لا يتوافر لمعظم الأغنية الأخرى.
أيضا، قدمت كوكب الشرق “إلى عرفات الله”، وهي إحدى أشهر الأغنيات التي ترتبط بموسم الحج، والتي قدمتها عام 1951، من كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي وألحان رياض السنباطي.. ويرتعد الإنسان شوقا إلى الله، وزيارة روض رسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يستمع إلى الثلاثية المقدسة: “أنا البيت قبلتكم للصلاة.. أنا البيت كعبتكم للرجاء.. فضموا الصفوف.. وولوا الوجوه.. إلى مشرق النور عند الدعاء”.. وهي أشهر أغاني السيدة أم كلثوم الدينية قدمتها عام 1972 من كلمات صالح جودت وألحان رياض السنباطي.
أما حديث الروح، فقد غنتها عام 1967 بعد أن نشر الشاعر الباكستاني محمد إقبال عام 1913 قصيدته باللغة الأردية ثم نقلها للغة العربية، ولحنها رياض السنباطي.
وتهتز خلايا الجسم طربا بأغنية سلوا قلبي، وهي قصيدة قدمها أمير الشعراء أحمد شوقي لكوكب الشرق، يمدح فيها رسولنا الكريم، صلى الله عليه وآله وسلم، وقد عرفت بعد ذلك بأشهر أبياتها: “أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك... بيد أن لي انتسابا”..
واستمعت إلى رجل صالح، أعده من أولياء الله تعالى، وهو يشيد بهذه الأغنية، داعيا الله، سبحانه، أن يكون كل من شارك فيها من أهل الجنة؛ كوكب الشرق، وأمير الشعراء، والملحن الرائع رياض السنباطي.
ومن أغنياتها الدينية: “لغيرك ما مددت يدا”، والتي قدمتها كوكب الشرق خلال فيلم رابعة العدوية، وكذلك الرضا والنور للشاعر طاهر أبو فاشا، عام 1963. ولعل نهج البردة، لا يغنيها إلا أم كلثوم.. فهي من شعر أحمد شوقي، في مدح الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وأبدعت الست في غنائها.
أم كلثوم، لم تكن قمة في الأغاني الدينية فقط، بل كانت كلك في أغانيها الوطنية، ولعل هذا موضع حديث آخر، لكن بقي أن أشير إلى حواراتها الإعلامية، والتي تعتبر مرجعا لكل من يريد أن يتعلم أدب الحوار، وأخلاقيات الحديث، وسمات التواضع، ومزايا الثقافة الموسوعية.
وقبل أن أختم أطالع “مانشيت” إحدى الصحف، يقول: “أم كلثوم تتبرع بمائة جنيه لطلبة الطب العاجزين”.. وفي إحدى حفلاتها بمدينة طنطا، في مايو 1969، كانت حصيلة التبرعات 274 ألف جنيه؛ وزعتها في الأوجه التالية: إعادة بناء مدن القناة، ودعم لمنظمة فتح الفلسطينية بألف جنيه، وشيك آخر بألف جنيه لمنظمة سيناء العربية، وشيك آخر بألف جنيه لأسر المجندين والمحاربين فى القناة.
هذه هي أم كلثوم التي يريدون هدمها!