فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

حديث قلب

العلاج بالموسيقى عند ابن سينا!

 صحيح أن ابن سينا كان من أعلام الطب في عصره، وله من الابتكارات التي يعتمد عليها الطب الحديث.. لكن المدهش فعلا إنه كان من أوائل من أدرك العلاقة الوثيقة بين النفس والجسد، وجمع بين العقل والعاطفة، وعالج مرضاه النفسيين بوسائل حديثة ومتقدمة وعصرية جدا، لم تكن تخطر على بال أحد في ذلك العصر؛ ألا وهو العلاج بالموسيقى!


كيف طوّر إبن سينا أساليب العلاج في الطب النفسي؟

 إبن سينا الطبيب والفيلسوف والشاعر والموسيقي، يُعد أحد أعظم العلماء المسلمين في العصور الوسطى، وأكثرهم تأثيرًا في مجالات الطب والفلسفة وعلم النفس.. في وقت كانت فيه أوروبا تفسّر الأمراض النفسية على أنها ناتجة عن الشياطين والأرواح الشريرة، أدرك إبن سينا العلاقة الوثيقة بين المشاعر النفسية والحالة الجسدية، وابتكر أساليب علاجية كانت متقدمة جدًا على عصره. 

 

مقولته الشهيرة: "الوهم نصف المرض، والهدوء نصف العلاج، والصبر أول خطوة نحو الشفاء".. تلخّص فلسفته العلاجية التي تجمع بين العقل والعاطفة والصبر كعناصر أساسية للشفاء النفسي، إبن سينا كان من أوائل العلماء المسلمين الذين درسوا تأثير المرض النفسي على الأعصاب والجسم، ووصف حالات الهوس والاكتئاب والذهان قبل أكثر من ألف عام من ظهور الطب النفسي الحديث. 

 

وقد لاحظ أن اضطرابات نفسية معينة يمكن أن تؤثر مباشرة على الصحة الجسدية، وأن التوازن النفسي ضروري للحفاظ على سلامة الجسد.. كما إهتم بدراسة الأمراض النفسية العصبية مثل الهلوسة، الأرق، الخرف، الصرع، الشلل، الرعشة، والسكتات الدماغية، وكان يربط هذه الحالات بتأثير المشاعر والعواطف على الجسم.


إبن سينا طوّر مجموعة متنوعة من الأساليب لعلاج الأمراض النفسية، تشمل:

- العلاج بالصدمة حيث استخدم مفاجآت مدروسة لتحفيز المرضى على مواجهة أوهامهم والهروب من الأفكار السلبية.
- العلاج بالموسيقى وفيه استخدم الموسيقى لتهدئة المرضى وتحسين حالتهم النفسية، معتبرًا أن الصوت والإيقاع لهما تأثير مباشر على النفس.
 

- تغيير نمط الحياة وشمل ذلك تحسين التغذية، تعديل العادات اليومية، وإدخال نشاطات مفيدة للجسم والعقل.
- الأعشاب الطبية حيث وصف نحو 30 نوعًا من الأعشاب لعلاج الاكتئاب وإدارة الحالات المزاجية.
 

- العلاج النفسي المباشر وفيه استخدم ذكاءه وفطنته للتعامل مع الأوهام والهلاوس، كما يظهر في قصة الأمير الذي اعتقد أنه بقرة، حيث نجح إبن سينا عبر خطة ذكية في تخفيف أوهامه تدريجيًا وإعادة صحته النفسية والجسدية. 

 

إبن سينا كان يرى أن العقل البشري يشبه المرآة، قادرًا على عكس المعرفة وتنظيم التفكير. كلما زادت القدرة على التفكير، كانت المرآة أوضح، مما يساعد الإنسان على اكتساب المعرفة الحقيقية.
 

كما اعتقد أن العقل يتحكم بالجسد مباشرة، إما من خلال الحركة المباشرة أو التأثير على المشاعر والإرادة. وأوضح أن المشاعر القوية يمكن أن تحقق نبوءاتها، مثل الشعور بالفشل أو المرض، ما يزيد من احتمال حدوثهما.


هذه الرؤية كانت أساسية لفهم ما يعرف اليوم بالمرض النفسي الجسدي، حيث تسبب العوامل النفسية مثل التوتر والقلق والاكتئاب أعراضًا جسدية ملموسة كالصداع وآلام المعدة والإرهاق، إبن سينا وثّق بدقة حالات الهذيان، اضطرابات الذاكرة، الهلوسة، شلل الخوف، وغيرها من الاضطرابات النفسية..

 

وقد ساعدت ملاحظاته في التخلص من المعتقدات الخاطئة التي ربطت الأمراض النفسية بالقوى الخارقة للطبيعة أو الأرواح الشريرة، كما أكد أن البشر قادرون على الشفاء النفسي والجسدي عبر قوة العقل والإرادة، وأن الشخص السليم قد يمرض إذا اعتقد أنه مريض، بينما يمكن للشخص المريض أن يتحسن إذا أيقن بقدرته على الشفاء.. 

نظريات إبن سينا في الطب النفسي أسهمت في تطويرعلم النفس العصبي والطب النفسي العصري. وقد شكّلت الأسس التي تربط بين الصحة النفسية والجسدية، والتي يعتمد عليها الطب الحديث اليوم. كما قدم نموذجًا متكاملًا يجمع بين العقل والجسد والموسيقى والتغذية والعلاج النفسي، ما جعل رؤيته شاملة وعملية في آن واحد.