"ذبحوها" فجأة وتركوها مكسورة الجناح، غضب عارم من هدم "الحمامة" رمز السلام بأسيوط
بجرة قلم أقدم مسؤولو محافظة أسيوط على هدم تمثال ومجسم الحمامة المقام بأشهر ميادين أسيوط، والذي يرمز إلى السلام، واستغرق تنفيذه 3 أشهر من خام البوليستر وتصنيعه ونحته على أجزاء بأكثر من نصف طن من الخرسانة.
ميدان الحمامة
وعملية “ذبح الحمامة” تمت في غفلة من أهالي أسيوط الذي استيقظوا على مشهد دمار لرمز شهير يميز حي شرق أسيوط والذي كان يتوسط ميدان الشهيد مصطفى عثمان بشارع الهلالي وكان يعرفه القاصي والداني منذ عام 2008 حتى اشتهر الميدان باسم ميدان الحمامة، وسط حالة من الاستياء والغضب الشديدين بين أهالي المحافظة..
وعلى مدار 24 ساعة انقلبت موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وحسابات مواطني محافظة أسيوط إلى حالة واسعة من الجدل الذي يصاحبه انفعال وغضب بسبب طريقة الهدم العشوائي التي تمت لمجسم الحمامة ضمن خطة المحافظة في تطوير وتجديد الميدان الأشهر بالمحافظة الذي حول رمز السلام الذي منح الميدان روحا من الجمال والإبداع إلى كومة من الحجارة مطروحًا على الأرض وكأنها حمامة مذبوحة تفرفر مكسورة الجناح حزنا على مصيرها المجهول وملقاة على الرصيف تحت ذريعة توسعة الطريق وتسيير حركة المرور والحد الزحام.
مأساة حمامة أسيوط مكسورة الجناح
ترصد فيتو في تقريرها حكاية ومأساة حمامة أسيوط الذبيحة منذ إقامته وحتى لحظة هدمه التي حولته إلى أطلال تحمل ذكريات كل من مر من أمامها وكانت علامة له ترشده لطريقه حتى صار جزءا من هوية الشارع الأسيوطي وسقوطه رمزية لسقوط روح المدينة وسلامها وجزء أصيل من معالمها.

مجسم الحمامة الذي أقيم بتكليف من اللواء نبيل العزبى محافظ أسيوط الأسبق للدكتور منصور المنسي أحد أبرز فناني مصر وأستاذ النحت وعميد كلية الفنون الجميلة ومن قبلها وعميد كلية التربية النوعية في شارع الهلالى الذي سمى لاحقا بميدان الشهيد النقيب مصطفى مصطفى عثمان بطل كمين الصفا.
الحمامة الذهبية أشهر ميادين أسيوط
تمثال الحمامة الذي تميز بلونه الذهبي الملفت والذي أضاف قيمة لقيمته صنع من خام البوليستر وتم نحته على عدة أجزاء وبكتلة ضخمة زادت عن النصف طن من الخرسانة، وأقيم على عامود ارتفاعه حوالي 9 أمتار وعرض حوالي 7 أمتار وعقب إقامته في هذا المكان تحول الميدان لميدان الحمامة ليكون بذلك أشهر ميادين محافظة أسيوط وعلامة من علامات الشوارع الشهيرة وأحد معالمها البارزة بالطريق خاصة للمتجهين لمحطة السكة الحديد أو إلى موقف النزلة موقف مراكز أسيوط أو لطريق الكورنيش.
“عند الحمامة” وجهة للتائهين وذكريات الملتقين
وظل مجسم الحمامة يحلق بميدان الشهيد طيلة مدة 17 عامًا حتى تحول لرمز للسلام وأيقونة من الجمال والإبداع وخاصة أن تصميمه جاء ملائمًا ومعبرًا وبأبعاد مناسبة وزوايا فنية رائعة فكان موقعًا مميزًا للانتظار أو لالتقاط الصور التذكارية والتلاقي بين التائهين في الطرق حتى أصبح كلمة دارجة على كل لسان فتجد الأستاذ الجامعي أو المستشار أو الطبيب أو المعلم والفلاح والمواطن البسيط والعامل والطفل وكبار السن وساكني المراكز الأخرى يطلقون على وجهتهم “عند الحمامة” دون سخرية أو استحياء.
وفي عهد اللواء هشام أبو النصر محافظ أسيوط تم تجديد التمثال عدة مرات آخرها منذ عدة أشهر من خلال إعادة طلائه وتجديد الميدان بالكامل وعقب ذلك تم إصدار قرار بإزالة الميدان وهدم التمثال دون إصدار أي بيان يوضح السبب وراء الطريقة العشوائية لإزالة التمثال.
هدم التمثال جريمة بشعة بحق الفن والثقافة
يؤكد الدكتور منصور المنسي مصمم التمثال ومجسم الحمامة والذى أصيب بصدمة أن هدم التمثال وتكسيره بهذه الطريقة جريمة بشعة وعدم احترام لمنظومة التنوير الثقافى والفنى فى أسيوط وجهل صريح بالإبداع حتى وإن كان السبب هو تطوير الميدان وتوسعة الطريق فالتمثال بالفعل أصبح جزءا من تاريخ الأسايطة.

وبحزن شديد وقلب يعتصر يؤكد الدكتور منصور المنسي أن ما حدث يمس جزءا من روحه وروح كل الأسايطة فالتمثال كأنه ابن له قال بطريقة وحشية تحمل المزيد من مشاعر الحقد والكراهية والموت كل الرموز الابداعية وأسلوب عبثي همجي لا يحمل مسئولية تجاه الموروثات الثقافية.
اغتيال للجمال وقتل للإبداع
بينما أشار محمد جمعة مدير عام الفنون بجامعة أسيوط أن ما حدث للتمثال هو اغتيال للفن والجمال لافتا إلى الطريقة المهينة والغربية التي تمت لإزالة الحمامة التي أبدعها أهم فناني الدكتور منصور المنسي آثار ضجة وغضب الرأي العام خاصة وأن المواطن الإسيوطي يبارك توسيع وإعادة تنظيم الشوارع ولكن ليس بالهدم والخسارة المادية والمعنوية المستفزة لمشاعر المواطنين التي تمت في إزالة التمثال كجرم يغتال ماضي وإنجاز المحافظين السابقين.

بينما يرى عدد من المواطنين بمحافظة أسيوط أن ما حدث ما هو إلا عشوائية وإهدار للمال العام وخاصة أن الميدان والتمثال منذ وقت قريب فكان من الأولى أن يتم نقل التمثال إلى موقع آخر أو ميدان آخر أوسع بدلًا من إزالته وإلقائه كحجارة على الرصيف وعليه كان يجب التعامل مع التمثال باحترافية وأسلوب حضاري كأي عمل فني له احترامه وقيمته الجمالية والثقافية مثلما فعلت الدولة للحفاظ على التراث والهوية الثقافية وكان آخرها نقل الآثار للمتحف المصري الكبير.
وعبر مئات الأهالي بمحافظة أسيوط عن استيائهم من تحويل المدينة إلى كائن قبيح وجاف مشوه ملئ بالأكشاك وأماكن ركن السيارات وتعديات المحال التجارية اللافتات الغير مرخصة بدلا من المجسمات الفنية واللوحات البديعة والأشجار التي تحمل الفن والجمال مطالبين بإعادة النظر في مصير تمثال الحمامة.