فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

السادة الظرفاء.. والسادة الأفاضل !

تعيش الكوميديا في الأعمال الفنية منذ سنوات مأساة حقيقية، ربما يكون سببها كما يقول أهل الفن أزمة ورق، وهو مصطلح يعبر عن نٌدرة النصوص الكوميدية وقلة كتابها المحترفين، لكن فيلما واحدا صدر مؤخرا أثبت أن كل هذه الادعاءات مجرد وهم.. 

الفيلم هو السادة الأفاضل من تأليف مصطفى صقر ومحمد عز  الدين وعبدالرحمن جاويش، وإخراج المخرج المتميز كريم الشناوي، وبطولة نخبة من النجوم قلما يتجمعون معا في عمل واحد.

 

وقد نال الفيلم تقديرا نقديا عبر عنه الكثير من النقاد المتخصصين في مقالاتهم، وتقديرا جماهيريا عبر عنه شباك التذاكر الذي سجل إيرادات كبيرة لفيلم السادة الأفاضل، لذلك سوف أترك تحليل الفيلم وعناصره نقديا لمن هم أهل لذلك أكثر مني، وأتوقف فقط أمام حقيقتين خرجت من صالة العرض وأنا مقتنع بهما تماما بعد مشاهدة الفيلم..

 

الحقيقة الأولى: كتابة النص الكوميدي ليست موهبة فحسب، لكنها حرفة أيضا بنفس الدرجة، والدليل على ذلك، السيناريو الذي صاغه ثلاثة كٌتاب معروف عنهم مهاراتهم في الكتابة الكوميدية، ولهم سابقة أعمال تشهد على ذلك، ولكن -وهذا ما كشفه لي الفيلم- الموهبة وحدها لا تكفي، لأن السيناريو قائم على صنعة لها قواعد متعارف عليها منذ عشرات السنين.

 

وسوف استخدم هنا مقارنة قد تبدو غير منطقية بين فيلم السادة الأفاضل، وفيلم العار للكاتب الراحل محمود أبوزيد، فكلا الفليمين قائم على أساس واحد للحدوتة يسميه أهل الصنعة (اللوج لاين)، هذا السطر يقول أن شخصا طبيعيا يحظى بحب وتقدير المحيطين به، يموت فيكتشف الجميع حقيقته الإجرامية.. 

في فيلم العار مات الأب (الفاضل) بالفعل في حادث، فاكتشفت الأسرة أنه تاجر مخدرات عريق في مهنته، وفي فيلم السادة الأفضل قرر كبير الأسرة ادعاء الموت، وأثناء جنازته المزيفة أكتشف المقربون منه تاريخه في تجارة الآثار.
 

في فيلم العار استخدم المؤلف قاعدة (ماذا لو) في تطوير الحدوتة، ولأنه لم يكن مهموما بصناعة فيلم كوميدي، أخذ القصة في منحى درامي، مثلا: ماذا لو كان للأب تاجر المخدرات ابن يعمل وكيلا للنيابة، ماذا لو كان الإبن الثاني طبيبا نفسيا يعالج الناس من إدمان المخدرات، واستخدام القاعدة بهذا الشكل كان يهدف إلى الوصول بأبطال القصة إلى لحظة اختبار قاسية عندما يكون عليهم الاختيار بين الثروة والأخلاق.

 

وفي فيلم السادة الأفاضل اٌستخدمت نفس القاعدة ولكن بهدف خلق الكوميديا، مثلا: ماذا لو كانت مجموعة من الشباب تخطط لسرقة مكتب البريد المجاور لمنزل الميت المزيف وخططت لدخول مكتب البريد عن طريق منزله؟ 

بل ومن نفس الغرفة التي بها جثمانه المزيف؟ ماذا لو كان لهذا الرجل ابن قريب منه يعرف عن والده بعض المعلومات التي لا يعرفها آخرون (محمد ممدوح في السادة الأفاضل ونور الشريف في العار)، ماذا لو كان للحاج جلال الميت المزيف ابن دكتور متزوج ويعيش في وسط اجتماعي أرقى وما هو موقف هذا الابن عندما يعلم بحقيقة والده؟

طبقات يتم بسطها، الطبقة فوق الطبقة باستخدام نفس قاعدة الكتابة ( ماذا لو) لكننا في الكتابة نحدد بوصلة الأحداث ونختار هل نريد أن نصل للدراما أم للضحك.

 

ومع الوقت وبسبب عدم استعجال الكتابة- حيث أكد مخرج السادة الأفاضل أن كتابة السيناريو استغرقت عامين- تكونت مواقف كثيرة، وشخصيات لابد أن تفجر الضحك، فكانت النتيجة أننا أمام فيلم تمت كتابته على مهل، وبتركيز، وكل خط في أحداثه كان مصنوعا لهدف مهم وليس  عشوائيا، وهذا يقودنا إلى الحقيقة الثانية التي كشفها لي هذا الفيلم..

 

الحقيقة الثانية: تتمثل تلك الحقيقة في أن السيناريو هو البطل الحقيقي في الفيلم الكوميدي وليس الممثل الظريف، فهناك أعمال يدعي صناعها أنها كوميدية يتم كتابة مشاهدها في سطور قليلة يعرف منها الممثل أجواء المشهد وأهم أحداثه، ثم يطلق المخرج لهذا الممثل العنان لكي يستظرف ويلقي الافيهات يمينا وشمالا، وبعض الممثلين يفخر بذلك فتجده يقول في البرامج بمنتهى الثقة، أن السيناريو لم يكن به كل هذا الكلام، لكنه استغل مواهبه وملأ وقت المشهد من بنات أفكاره!

وقد تأكدت أن فيلم السادة الأفاضل كان استثناء من هذا الوضع الغريب، عندما شاهدت أبطاله في ضيافة برنامج تلفزيوني، وتحدث أحدهم عن رفض المخرج كريم الشناوي محاولة أي ممثل للاسترسال في إلقاء الإفيهات، وإصراره على الالتزام بالنص المكتوب، وهذا نادرا ما يحدث.. 

حيث يؤكد الواقع أن ظاهرة التخلي عن النص وترك المجال أمام الممثل مفتوحا لصنع الكوميديا كما يراها قد انتقلت من ظاهرة كانت حتى وقت قريب تخص المسرح إلى قاعدة تعتمد عليها الأفلام الكوميدية، بل ويتفاخر صناعها بذلك.. 

من هنا جاء الفرق، ووجدنا فيلما كوميديا تمت كتابته بأناقة، وأصر مخرجه على تنفيذه وفقا لرؤيته ورؤية كٌتابه، ووافق أبطالة -عن طيب خاطر- أن ينضموا للسادة الأفاضل متخلين عن طريقة غيرهم من السادة الظرفاء.