فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

الشغف بالعلم والتفاؤل!

ذات يوم سُئل الدكتور أحمد زويل: ما سر النجاح وكيف يحصل الشخص على جائزة نوبل؟! -وهو سؤال لم يسألوه أبدًا قبل حصوله على نوبل- ثم أجاب بقوله: إنه الشغف بالعلم هو الذي زودني بالطاقة، ثم التفاؤل الذي جعل ما هو بالكاد مستحيل ممكنًا.. 

فالنجاح يأتي للعقل المستعد للنجاح، والنجاح ليس مثل المطر الذي ينزل من السماء على الجميع بالتساوي.. النجاح هو ما تحصده عندما تزرع حياتك بالشغف والتفاؤل ثم خاطب الخريجين بقوله: احلموا واعملوا بجد من أجل أحلامكم.. فمن دون العمل الجاد لا تستحق حياة جيدة، وبدون الرحمة لن ننال الحياة الطيبة في عالم أغلب سكانه محرومون من الكثير.
 

لم يكن سؤال سرّ النجاح جديدًا في ذاته، لكن حدّته تتضاعف حين يُوجَّه إلى رجلٍ حمل إسمه إلى الضوء العالمي مثل أحمد زويل. ولم يكن أحد قد تجرأ على طرحه قبل حصوله على نوبل، وكأن السؤال لا يُمنح إلا لمن أثبت جدارة الإجابة. 

ومع ذلك، جاءت إجابته بسيطة في ظاهرها، عميقة في جوهرها: الشغف بالعلم هو الوقود الأول، هو الشرارة التي تُضِيء الدرب حين ينطفئ كل شيء، وهو الطاقة التي تجعل الزمن حليفًا لا خصمًا. ثم يأتي التفاؤل ليعيد ترتيب الممكن، فيحوّل ما هو بالكاد مستحيلًا إلى واقع، وما هو مُستبعَد إلى خطوة أولى في طريق طويل.


فالنجاح لا يهبط من السماء كما يهطل المطر بالتساوي على الحقول كافة، ولا يتناثر على الناس بغير حساب. إنه يُمنح للعقل المستعد له، للعقل الذي درّبه صاحبه على الصبر والسعي، وأمعن في تهذيبه حتى صار قادرًا على التقاط الفرصة حين تمرّ قربه، لا حين تُهدى إليه. النجاح حصادٌ لا يعرف الصدفة، وزرعٌ لا ينبت إلا حين يُروى بالشغف، ويُدفَأ بالتفاؤل، ويُسقى بالعمل الحقيقي.

 

ولهذا خاطب أحمد زويل الخريجين بلهجة العارف الذي جرب، لا بلهجة الواعظ الذي ينصح: احلموا، لكن لا تجعلوا أحلامكم عذرًا للكسل، واعملوا بجدّ لأن العمل وحده هو ما يمنح الحياة قيمتها. فالحياة الجيدة ليست منحة تُلقى على قارعة الطريق، بل ثمرة جهدٍ متواصل يعرف صاحبه لماذا يسعى وإلى أين يمضي. 

ومع العمل، تتقدم الرحمة لتكمل المعنى؛ إذ لا معنى لنجاحٍ يخلو من إنسانية، ولا جدوى من إنجازٍ لا يخفف عن العالم -عالمٍ يعاني فيه أغلب البشر من نقصٍ لا يُحصى، ويعيشون تحت أثقال لا يراها إلا من امتلك قلبًا رحيمًا.
 

هكذا تتكامل معادلة النجاح: شغف يوقظ الروح، تفاؤل يفتح الأبواب، عمل يحول الحلم إلى واقع، ورحمة تجعل الطريق جديرًا بأن نسلكه.. فهل تدرك أجيالنا الجديدة مثل هذه المعاني التي آمن بها صاحب نوبل وصاحب العبقرية الفذة؟!