فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

لا يهدد القلب فقط، علماء يحذرون من تجاهل مقاومة الأنسولين

مقاومة الأنسولين
مقاومة الأنسولين

كشفت عدد من الدراسات العلمية أن اضطرابات الأيض لا تقتصر على زيادة الوزن أو الإصابة بالسكري فحسب، بل تمتد لتؤثر بعمق على المزاج والصحة العقلية، وفي مقدمتها مقاومة الأنسولين التي تعد اليوم أحد العوامل الصامتة المسببة للاكتئاب.

واحد من كل ثلاثة أشخاص في الولايات المتحدة يعاني من مقاومة الأنسولين

 

وقالت الدكتورة شباني سيثي، وهي طبيبة نفسية بكلية الطب بجامعة ستانفورد: "واحد من كل ثلاثة أشخاص في الولايات المتحدة يعاني من مقاومة الأنسولين، وهذه الحالة تضاعف خطر الإصابة بالاكتئاب، حتى إذا لم يكن لديك تاريخ نفسي سابق".

وأضافت، أن هذا المجال يهدف إلى دراسة تأثير التوازن الأيضي في الجسم على الدماغ، وكيف يمكن أن يؤدي اختلاله إلى اضطرابات نفسية حادة وفق ما نشر على Times of india. 

وتابعت: "الطب النفسي الأيضي يعنى بدراسة العلاقة بين الأيض والصحة النفسية، فهو لا يدرس فقط الاضطرابات الأيضية في الجسم مثل مقاومة الأنسولين أو السمنة، بل يبحث أيضًا في كيفية تأثيرها على الدماغ ووظائفه، فقد يكون الخلل في الدماغ نفسه، أو خارجه في الجسم، وكلاهما يلعب دورًا مهمًا في تطور الاضطرابات النفسية".

وأكدت أن العلاقة بين مقاومة الأنسولين والاكتئاب لم تعد مجرد فرضية نظرية.


وأردفت: "في الرعاية الصحية الأولية، كنت أرى العديد من المرضى المصابين بداء السكري أو ارتفاع ضغط الدم، لكن الملاحظ أن الأشخاص الذين يعانون من اكتئاب حاد كانوا أكثر عرضة للإصابة بمقاومة الأنسولين أو بمتلازمات أيضية أخرى، وفي المقابل، فإن مرضى السكري الذين لم تكن حالتهم تحت السيطرة غالبًا ما يصابون بالاكتئاب".

 

كما اضافت: "في حالات اضطراب ثنائي القطب، تشير الدراسات إلى أن ما بين 37% إلى 40% من المرضى يعانون من متلازمة أيضية، وهو رقم مرتفع يظهر مدى الترابط بين الجسد والعقل".

مقاومة الأنسولين وزيادة خطر الإصابة باضطراب الاكتئاب الشديد

 

ولتعزيز هذا الفهم العلمي، نشرت جامعة ستانفورد دراسة في المجلة الأمريكية للطب النفسي (American Journal of Psychiatry)، ربطت بشكل مباشر بين مقاومة الأنسولين وزيادة خطر الإصابة باضطراب الاكتئاب الشديد.

قاد الدراسة فريق من العلماء في قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية بالجامعة، بقيادة الدكتورة ناتالي راسغون، حيث تم تحليل بيانات 601 رجل وامرأة من المشاركين في دراسة هولندا الطولية، والذين لم يكن لديهم أي تاريخ مرضي للاكتئاب أو القلق عند بدء الدراسة، وكان متوسط أعمارهم حوالي 41 عامًا.

اعتمد الباحثون على ثلاثة مؤشرات رئيسية لتقييم مقاومة الأنسولين:

1. مستوى الجلوكوز في الدم أثناء الصيام،


2. محيط الخصر كمؤشر لتراكم الدهون في منطقة البطن،


3. نسبة الدهون الثلاثية إلى الكوليسترول الجيد (HDL)، وهو ما يعرف بـ"الكوليسترول المفيد".

 

وبعد متابعة المشاركين لمدة تسع سنوات، أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين كانت لديهم مؤشرات أعلى لمقاومة الأنسولين كانوا أكثر عرضة بشكل ملحوظ للإصابة بالاكتئاب.

فقد بين التحليل أن الزيادة المعتدلة في مقاومة الأنسولين كما قيست بنسبة الدهون الثلاثية إلى الكوليسترول الجيد ارتبطت بارتفاع خطر الإصابة باضطراب الاكتئاب الشديد بنسبة 89%.


كما أن كل زيادة بمقدار 5 سنتيمترات في دهون البطن رفعت احتمالية الإصابة بالاكتئاب بنسبة 11%، بينما ارتبطت زيادة مستوى الجلوكوز في الدم أثناء الصيام بمقدار 18 ملغم/ديسيلتر بزيادة خطر الاكتئاب بنسبة 37%.

وأكد الباحثون أن هذه العلاقة بقيت قائمة حتى بعد ضبط العوامل الأخرى مثل العمر والجنس ونمط الحياة.

تأثير مزدوج.. كيف يؤثر الأنسولين على الدماغ؟

توضح الدكتورة راسغون أن مقاومة الأنسولين لا تقتصر على العضلات والكبد، بل تمتد آثارها إلى الدماغ نفسه:"الأنسولين يلعب دورًا مهمًا في تنظيم الطاقة داخل الخلايا العصبية، وعندما لا تستجيب الخلايا الدماغية له بالشكل المطلوب، يحدث خلل في توازن النواقل العصبية، مثل السيروتونين والدوبامين، وهما العنصران الأساسيان المرتبطان بالمزاج والسعادة".

وترى أن هذا الخلل الأيضي يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في المزاج، بل وربما يمهد الطريق لتطور حالات الاكتئاب المزمنة.

وتضيف"لقد حان الوقت لمقدمي الرعاية الصحية أن يتعاملوا مع الصحة النفسية والتمثيل الغذائي كوجهين لعملة واحدة.

وعلى الأطباء النفسيين أن يفكروا في الفحوص الأيضية لمرضاهم، وعلى أطباء الغدد الصماء أن ينتبهوا إلى الحالة النفسية لمرضاهم المصابين باضطرابات التمثيل الغذائي".

 

الوقاية تبدأ من التشخيص المبكر

تؤكد سيثي وراسرغون معًا على أن الوقاية من هذه الحلقة المترابطة بين مقاومة الأنسولين والاكتئاب تبدأ من الفحص المبكر.
فاختبارات مقاومة الأنسولين  مثل تحليل الجلوكوز أثناء الصيام أو اختبار تحمل الجلوكوز  متاحة على نطاق واسع، وغير مكلفة، ويمكن أن تقدم مؤشرات مهمة حول صحة الجسم قبل تطور المرض.

وتوصي سيثي باتباع نظام غذائي متوازن قائم على الحبوب الكاملة والبروتينات الصحية، مع تجنب الأطعمة المصنعة والسكريات الزائدة، إلى جانب ممارسة الرياضة المنتظمة والنوم الكافي.

 "عندما يتحسن التمثيل الغذائي، يتحسن الدماغ أيضًا. فالصحة العقلية لا يمكن فصلها عن الصحة الجسدية، والاعتناء بالجسد هو في النهاية اعتناء بالعقل"

يرى أطباء  جامعة ستانفورد أن السنوات القادمة ستشهد توسعًا في مجال الطب النفسي الأيضي، مع تطوير بروتوكولات علاجية جديدة تدمج بين العلاج النفسي، والتغذية العلاجية، وإدارة مقاومة الأنسولين.
 

ويعتقدون أن هذا الدمج سيفتح آفاق جديدة لعلاج الاكتئاب والأمراض النفسية المستعصية من جذورها البيولوجية، وليس فقط من أعراضها الظاهرة.