هل نحن أمة تستحق البقاء؟! (1)
مع حلول شهر أكتوبر تتدفق ذكريات النصر لأعظم أيام عاشتها أمتنا في العصر الحديث، أمجاد نتوق إليها مع تعاظم المحن وتكالب أهل الشر علينا، وما نراه بأم أعيننا من قتل وتدمير وتجويع وترويع لأهلنا في غزة، التي تحملت ما لا يتحمله بشر، وصب عليها من الحمم والقنابل والصواريخ ما يفوق القنبلة النووية بدعم أمريكي غاشم وفاجر لا يراعي للإنسانية ذمة ولا دينا ولا معايير حقوق إنسان طالما صدعوا بها رؤوسنا..
ترى هل أمة العرب اليوم بنفس الروح التي كانت عليها أيام نصر أكتوبر؟ هل يستطيعون قطع البترول عن الغرب؟ هل يستطيعون مقاطعة الكيان الصهيوني وطرد سفرائه من أرضهم؟ هل يقدرون؟ نعم.. لكن السؤال الأهم: هل يريدون؟!
ما يحدث حولنا من استباحة لأرض العرب وأموالهم لا يسعنا إلا أن نعتصم بقوة خلف جيشنا العظيم الذي لم تأت تسميته بخير أجناد الأرض من فراغ؛ فهو إبن هذا الشعب، وجزء من نسيجه الوطني، يتألم لألمه ويفرح لفرحه، ويتولى راضيا مطمئنا مهمة شريفة وهى الدفاع عن ترابه المقدس، لم يتأخر يوما عن التضحية بالغالي والرخيص كى تظل مصر آمنة وفي رباط لا ينقطع.
وقد أثبتت حوادث التاريخ أن هذا الجيش العظيم هو السند والنصير في شتى الملمات والشدائد والمحن التي أظهرت معدن جيشنا العظيم.. فما من محنة إلا وكان الجيش أول من ينزل للميدان بجسارة وفداء.. حدث ذلك في مناسبات عديدة، أذكر منها زلزال 1992 وحوادث السيول..
والأهم عندي هو ما حدث بعد يناير 2011 حين نزل الجيش للشارع ليحمي ويحرس مؤسسات الدولة ومنشآتها الحيوية.. ولولاه لتم نهبها وسلب محتوياتها ولضاعت هوية هذا البلد.. لقد أثبت جيشنا مجددًا أنه عند حسن الظن به، وأن الشعب يمكنه أن ينام ملء جفونه ما دام يملك درعًا وسيفًا وعينًا مفتوحة طوال الوقت على كافة الاتجاهات الإستراتيجية للدولة.
ما يضطلع به الجيش من واجبات ومهمات أكبر من أن تحصيه هذه السطور.. وكلها فداء لهذا البلد وشعبه العظيم الذي يقابل جيشه حبًا بحب ودعمًا بدعم ووفاءً بوفاء لا حدود له.
ولا تزال مصر رغم ما حققته من إنجازات مشهودة بعد 30 يونيو تتعرض لمؤامرات، وتواجه معوقات يضعها الخصوم والأعداء في طريقها سعيًا لإضعافها وتركيعها وشل قدراتها ووقف مسيرتها نحو التقدم وبناء مستقبلها في عالم شديد التغير والاضطراب..
ولعل ما يحاوله نتنياهو ويمينه المتطرف من تفريغ غزة من أهلها عبر تهجير أهلها قسرا تحقيقا لأوهام هذا اليمين المسعور بدولة إسرائيل الكبرى، أو لتحويلها إلى ريفيرا الشرق كما يحب ترامب المساند الأكبر لتل أبيب، التي تحاول ابتلاع ما بقي من أرض فلسطين..
وحتى يتسنى لها الانفراد بدولنا العربية واحدة تلو الأخرى تنفيذًا لأحلام السيطرة والغزو لرسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، الذي بات قريب المنال في ظل عزوف العرب عن توظيف ما بأيديهم من أوراق الضغط والقوة ووجود إدارة أمريكية شديدة التعصب لإسرائيل!
وكأن التحديات والمخاطر هي قدر مصر التي يعرف الأعداء قبل الأصدقاء مكانها ومكانتها وجوهر دورها.. وكيف أنها بمثابة الرأس من الجسد لأمتها؛ فإذا استقرت وقويت صار لأمتها شأن وقَدْر.. وإذا اهتزت لا قدر الله أو مرضت فلن تقوم لهذه الأمة قائمة بعدها.
مصر أهم المراكز الإستراتيجية للعروبة والإسلام، وهو ما يثير نقمة الأعداء الذين يرونها الجائزة الكبرى إذا ما ظفروا بها فلن ترفع الرأس بعدها دولة عربية، وهو ما جعلها منذ قرون محط اهتمام ومطمعًا متجددًا يغري كل ذي شوكة..
ولا ينسى المتربصون بنا ما فعلته مصر حين تصدت لأعتى هجمات التتار والمغول والصليبيين الذين كادوا يحرقون الأخضر واليابس في العالم الإسلامي، لولا بسالة مصر وجندها الذين وقفوا سدًا منيعًا حال دون سقوط الشرق في براثن الغزاة الهمج.
تاريخيًّا اضطلعت مصر بأدوار مفصلية قائدة في طليعة الكفاح ضد قوى الاستعمار الحديث، ملهمة لحركات التحرر ليس في عالمنا العربي وقارتنا السمراء فحسب بل في شتى أنحاء الدنيا.. ثم هى من أوقف مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يستهدف تقسيم مصر ومحيطها لصالح إسرائيل ومن وراءها.
ترى: هل نحن بما نعيشه من تفرق وتمزق وتصارع أمة تستحق البقاء والانتصار.. هل يحترم عالم اليوم إلا الأقوياء؟!