والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا
يقول تعالى "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ"، هذه الآية الكريمة أشار الحق عز وجل فيها إلى السبيل إلى هدايته سبحانه، وإنارته جل جلاله للسبل والطرق المؤدية إلى مرضاته تعالى، والوصل والاتصال به سبحانه..
والمقام في حضرة القرب منه جل ثناءه، والسبل جمع سبيل، والسبيل هو الطريق والمسلك الذي يجب على المؤمن أن يسلكه وخاصة لمن يريدون وجه الله تعالى والمقام في حضرة القرب منه سبحانه والوصل والإتصال به جل جلاله..
هذا وللسبل الموصلة لله عز وجل أبواب كثيرة وكلها تتمثل في الاستقامة وطاعة الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وعلى آله وإتباع هديه القويم وسنته الرشيدة، هذا وأعلى السبل والمسالك بعد إقامة أركان الدين الخمس هي ذكر الله تعالى، بالقلب واللسان والجوارح، وذكره عند الابتلاء بالصبر الجميل الخالي من الشكوي..
وعند النعمة بشكره تعالى والثناء عليه سبحانه والإقرار بعظيم فضله ومنته جل جلاله، والرضا بالقضاء والتسليم له سبحانه، هذا ومن أعلا السبل وأحبها إلى الله تعالى الكرم وإطعام وجبر الخواطر، وفي الحديث عنه صلى الله على حضرته وعلى آله وسلم أنه قال: "ما عبد الله تعالى بشيئ أحب إليه من بعد الفرائض من جبر الخاطر"..
هذا والمجاهدة تتطلب مواجهة النفس بمخالفة أهواءها وكسر الأنا الكامنة في ذاتها، وذلك بالتواضع والخضوع والخشوع لله تعالى والذل والانكسار والعجز والافتقار بين يديه تبارك في علاه، والسعي إلى تهذيب شهوات النفس وتزكيتها والخروج بها من صفات النقص إلى صفات الكمال، وهو ما يعني التخلي عن كل صفة عالقة بالنفس الأمارة بالسوء، والتحلي بكل وصف طيب كريم محمود والتحلي بالمكارم والفضائل والمحاسن والقيم الإنسانية النبيلة..
والمجاهدة تتطلب أيضا مخالفة الشيطان وعداوته وعدم الإنقياد خلفه وطاعته، والمجاهدة تتطلب أيضا الزهد في الدنيا وعدم الرغبة والطمع في شيء منها ومقاومة كل الفتن والإغراءات الموجودة فيها، وأشدها فتنة النساء، وإذا فتحت على العبد فهي إذا حلت أوحلت..
هذا ولقد كان من فضل الله تعالى ورحمته بالبشر ولكونهم قد خلقوا ضعافا لا حول لهم ولا قوة، فتح لهم سبحانه وتعالى باب عظيما يستمدون منه العون والمدد والإمداد الإلهي، ولقد أشار إليه جل في قوله تعالى بعد قول العبد "إِيَّاكَ نَعْبُدُ"، جاء بعدها "وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ"..
هذا ولابد لمن أراد أن يسلك طريق المجاهدة من صحبة رجل صالح من العارفين بالله تعالى من الورثة المحمديين، رجل صاحب علم ونور بصيرة، خبيرا بأمراض النفس والعلل المبطونة فيها، يعلم الدواء لكل داء يعينه على مجاهدة النفس والشيطان وفتن الدنيا، يدله بالله على الله تعالى ويقوده بهدي الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام..
هذا مع وجود أخ له صادق صدوق مخلص في صحبته وهو الذي إذا ذكرت أعانك، وإن غفلت ذكرك بالله تعالى، مع الحرص في بداية المجاهدة على قلة الطعام حتى تضعف شهوات النفس، وقلة الكلام حتى يلقح الفكر ويحفظ من سقطات اللسان وزلاته، وقلة المنام حتى يصهر الكثافة الطينية للجسد وتصحو فيه الهمة والإرادات وتشرق الروح على عالمها النوراني..
وعليه أيضا أن يحافظ على صلاته وأن يكن ذاكرا لله عز وجل، وأن يكثر في ذكره من الاستغفار والصلاة والسلام على النبي المصطفى المختار وعلى آله الأطهار، وعليه أيضا أن يشغل نفسه بإصلاحها ولا يشغل بالآخرين ولا يفتش في عيوبهم، فمن شغل نفسه بعيوب الآخرين عاقبه الله تعالى بأن يعميه عن رؤية عيوب نفسه..
وعليه أيضا أن يتحرى مطعمه ومشربه وملبسه وأن يكونوا من حلال، فالله طيب لا يقبل إلا الطيب، والمطعم الحلال أصل في مجاهدة النفس وسلوك طريق الله تعالى، هذا ويحذر أثناء المجاهدة من رؤية النفس بأن يرى له فضل في المجاهدة وعمل وفعل، وفقنا الله تعالى وإياكم إلى ما يحب ويرضى.