فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

الترجمة الحقيقية للإيمان

الدنيا دار ممر وليست دارَ مستقرٍّ، وهي دار الابتلاء والفتن والاختبار، ولقد أوجدنا الله تعالى فيها لعبادته مصدقا لقوله سبحانه: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”، والعبادة تقتضي الطاعة الكاملة والولاء الكامل لله عز وجل.

والعبادة غير قاصرة على طاعة الله تعالى ورسوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وإقامة أركان الإسلام والائتمار بالأوامر الإلهية والانتهاء بالنواهي وإقامة الحدود التي حدها الله عز وجل ورسوله فقط، فكلها عبادات ظاهرة تتعلق بحركة الأبدان.

والغاية منها أولًا، استقامة حركة الإنسان في رحلة حياته الدنيوية، وإقامة الخلافة في الأرض كما أمر الحق عز وجل، وحتى يهيئ الفرصة للروح كي تعرج إلى مولاها وتتصل ببارئها سبحانه، ثانيًا، حتى تثمر العبادة الباطنة وهي عبادة القلوب والأرواح، والتي تتجلى في الصبر على البلاء والرضا بالقضاء والشكر على النعماء.

إذن نفهم أن هناك عبادة ظاهرة للأبدان وعبادة باطنة للقلوب، هذا ولا خير في عبادة ظاهرة ليس لها ثمرة وأثر على القلوب والأرواح، هذا ولله تعالى في عباده أقدار منها ما يطيب للنفس، ومنها ما يحزن ويؤلم النفس، ويجب أن لا ننسى أننا في دار الابتلاء والاختبار، ولا ندرك الحكمة الإلهية في أقدار سبحانه وتعالى فينا، ولا نعلم ما تخفيه الأقدار لنا وما الأنفع والخير لنا منها. 

والله عز وجل حسم هذه المسألة حتى نرضى ونسلم له سبحانه في أقداره بقوله تعالى: “وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”، هذا والله تعالى أمر سبحانه عباده بالصبر والمصابرة لنيل عظيم الأجر والجزاء والمكافئة في دار الخلد والتكريم، حيث قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”.

وقد جعل الله لعباده الصابرين عوضًا من الفضل والعطاء العظيم، وزف لهم البشرى والبشارة في عدة آيات من كتابه الكريم منها قوله جل جلاله: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ”، وقوله سبحانه: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ”، وقوله تبارك في علاه: “إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”.

هذا والرضا أعلى وأعظم وأسمى مقامًا من الصبر، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أعبد ربك بالرضا فإن لم تستطع فعليك بالصبر ففي الصبر على ما تكره خير كثير"، هذا ومن رضي بقضاء الله تعالى له الرضا، ومن سخط فعليه سخطه.. ولا ولن يغير أحد من أقدار الله شيئًا، فقد جفت الأقلام ورفعت الصحف، فعلينا بالصبر الجميل والرضا والتسليم إن كنا حقًّا مؤمنين.