فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

ولد الهدى (الحلقة الحادية والعشرون)، لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه

 لتؤمنوا بالله ورسوله
لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه، فيتو

في شهر ربيع الأول، أشرقت الدنيا بنور النبوة، ووُلد خير من وطِئ الثرى، سيدنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك الميلاد الذي لم يكن حدثًا عابرًا، بل كان بداية لفجر جديد أضاء ظلمات الجاهلية، وأعاد للإنسانية رشدها، وأرشدها إلى صراط الله المستقيم. 

في هذه السلسلة المباركة، نتفيأ ظلال السيرة العطرة، ونستعرض بعضًا من مناقب الحبيب المصطفى، وصفاته الخُلُقية والخَلقية، وشمائله التي مدحها رب العالمين، وأثنى عليها السابقون واللاحقون من أهل الإيمان.

 لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه

من أوجب الحقوق التي فرضها الله، عز وجل، على المسلمين، نحو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: محبته وتعظيمه، وتوقيره والأدب معه، واتباعه وطاعته وعدم معصيته، وإنزاله مكانته بلا لا تقصير، فذلك أجَّل وأعظم، وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق الآباء على أولادهم، فحق علينا أن نحبه ونعظمه ونوقره، وفي ذلك الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: "فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (الأعراف: 157). 

"فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ"

يوضح ابن كثير: "وقوله: "فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ"، أيْ: عَظَّمُوهُ وَوَقَّرُوه، "وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزلَ مَعَهُ"، أي: القرآن والوحي الذي جاء به مُبَلغًا إلى الناس، "أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، أي: في الدنيا والآخرة".

وقد قال تعالى، في محكم التنزيل: "إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا • لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" (الفتح: 9)، والمعنى: إنا أرسلناك -أيها الرسول- شاهدًا على أمتك بالبلاغ، مبينًا لهم ما أرسلناك به إليهم، ومبشرًا لمن أطاعك بالجنة، ونذيرًا لمن عصاك بالعقاب العاجل والآجل؛ لتؤمنوا بالله ورسوله، وتنصروا الله بنصر دينه، وتعظموه، وتسبحوه أول النهار وآخره.

وفي تفسير الآية: رجاء أن تؤمنوا بالله، وتؤمنوا برسوله، وتعظِّموا رسوله وتُجِلّوه، وتسبِّحوا الله أول النهار وآخره.
وفي تفسير الجلالين: "ليؤمنوا بالله ورسوله" بالياء والتاء فيه وفي الثلاثة بعده "ويعزروه" ينصروه وقرئ بزايين مع الفوقانية (ويعززوه).. "ويوقروه" يعظموه وضميرها لله أو لرسوله "ويسبحوه"، أي الله "بكرة وأصيلا" بالغداة والعشيّ.
وفي تفسير السعدي: "لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ"، أي: بسبب دعوة الرسول لكم، وتعليمه لكم ما ينفعكم، أرسلناه لتقوموا بالإيمان بالله ورسوله، المستلزم ذلك لطاعتهما في جميع الأمور.

تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه

"وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ"، أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه، أي: تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم، "وَتُسَبِّحُوهُ"، أي: تسبحوا لله.

"بُكْرَةً وَأَصِيلًا" أول النهار وآخره، فذكر الله في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، والمختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير، والمختص بالله، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها.

أما تفسير البغوي"لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه"، أي تعينوه وتنصروه، و"توقروه": تعظموه وتفخموه، هذه الكنايات راجعة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، "وتسبحوه"، أي تسبحوا الله يريد تصلوا له، "بكرة وأصيلا": بالغداة والعشي.
وفي التفسير الوسيط: بيَّن، سبحانه، الحكمة من إرساله، صلّى الله عليه وسلّم، فقال: "لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا".

وقوله: "وَتُعَزِّرُوهُ": من التعزير بمعنى النصرة مع التعظيم والتفخيم.
وقوله: "وَتُوَقِّرُوهُ"، أى: تعظموه وتقدروه.
وقوله: "وَتُسَبِّحُوهُ": من التسبيح بمعنى التنزيه.
وهنا الخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم ولأمته، كقوله، تبارك وتعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ.........
والقراءة بتاء الخطاب، هي قراءة الجمهور من القراء.

من جانبه، قال الآلوسى: وهو من باب التغليب، غلب فيه المخاطب على الغائب فيفيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مخاطب بالإيمان برسالته كأمته، أى: أرسلناك- أيها الرسول الكريم- شاهدا ومبشرا ونذيرا، لتكون على رأس المؤمنين بما أرسلناك به، وليتبعك في ذلك أصحابك ومن سيأتى بعدهم، بأن يؤمنوا بالله ورسوله إيمانا حقا، ولينصروك ويعظموك، وليسبحوا الله-تبارك وتعالى- في الصباح والمساء.