فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

حديث الأربعاء

اختلفوا فتفرقوا فكان النصر حليف عدوهم.. موقعة أُحد دروس مستفادة

لم يهدأ لقريش بالٌ منذ هزيمتهم  في معركة بدر عندما تكبدت قريش خسائر كبيرة في المال والأرواح، فما كان منهم إلا أن يتوعدوا المسلمين بحربٍ جديدة للانتقام لقتلاهم في بدر، فكانت معركة أُحد في السنة الثالثة من الهجرة، أي بعد سنة من تاريخ انتصار المسلمين على جحافل قريش وأشرافها وساداتها. 

لذلك كانت قريش أكثر عددا وعدة، وأشد رغبة في الانتقام وأخذهم بالثأر من المسلمين، كان تعداد جيش قريش يقارب من الثلاثة الآف مقاتل في مقابل سبعمائة مقاتل في جيش المسلمين. 


تحرك جيش قريش في طريقهم من مكة إلى المدينة يقصدون جبل أحد، بينما كان المسلمون في المدينة يتشاورون في خطة المعركة وموقعها، وكان بينهم المنافقون ضعاف الإيمان من حديثي الإسلام، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يرى أن يتحصنوا بالمدينة وأن يدعوا قريشًا خارجها.. 

فإذا حاولوا اقتحامها كانوا أهلها فكانوا أقدر على دفعهم والتغلب على عدوهم، بينما كان الأكثرية ترى أن تكون المعركة خارج حدود المدينة، ولأن مبدأ الشورى كان أساس النظام في دولة المدينة، فإذا كان للكثرة رأي فعلى القائد الأخذ به، ولو خالف رؤيته.


تحرك جيش المسلمين حتى بلغوا جبلَ أُحدٍ فجعلوه إلى ظهورهم. وجعل محمد -عليه الصلاة والسلام- يصُفُّ أصحابه، وقد وضع منهم خمسين من الرماة على شِعب في الجبل وقال لهم: «احموا لنا ظهورنا فإنا نخاف أن يجيئونا من ورائنا. والزموا مكانكم ولا تفارقوها إلا بأمرٍ مني"، انتظم جيش المسلمين على ذلك، وكانوا في انتظار ابتداء المعركة.. 

كذلك قريش صفَّت صفوفها واستعدت للمواجهة، فبرغم شركهم بالله وكفرهم بدين المسلمين؛ كانت على قلب رجل واحد، فغايتهم واحدة وكلمتهم واحدة.. استعد الفريقان للقتال وكلٌّ يحرِّض رجاله على كسب المعركة والنيل من عدوهم.


دارت رحى المعركة  واشتد القتال بين قوتين غير متكافئتين في العدد ولا في العُدة، يحرك الكثرة العظيمة من قريش ثأرٌ لم يهدأ منذ بدر، أما ما يحرك الفئة القليلة هو الدفاع عن عقيدتهم ودينهم ونبيهم.


كان النصر في بداية المعركة حليف المسلمين، ومع صيحات تكبيراتهم ؛ ظن الرماة أن المعركة انتهت لصالح المسلمين، فثارت في نفوسهم مغريات الدنيا من الغنائم  التي أغراهم بها الشيطان فحثهم على مخالفة توصيات النبي قائد المعركة. نزل الرماة من فوق الجبل وهرب من ساحة المعركة من هرب وتخاذل من المنافقين من تخاذل، فانقلبت موازين المعركة وتحول النصر إلى هزيمة ثقيلة. 


لقد أراد الله -بهذه الهزيمة- تعليم المؤمنين درسا غاية في الأهمية، أراد امتحان  إيمانهم وتمحيص قلوبهم وابتلاء صدورهم:{وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.


كذلك أنزل الله في هؤلاء الذين عصوا الرسول وخالفوا أمره، ومن هربوا من المعركة، يقول الله تعالى: {إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُونَ عَلَىٰٓ أَحَد وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ فِي أُخۡرَاكُمۡ فَأَثَابَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمّٖ لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُم وَلَا مَا أَصَابَكُمۡ وَٱللَّهُ خَبِيرُ بِمَا تَعۡمَلُون} (آل عمران 153).

يذكّرهم الله تعالى، بما كان مِن أمرهم حين أخذوا يصعدون الجبل هاربين من العدو، ولا يلتفتون إلى أحد لِمَا أصابهم من الدهشة والخوف والرعب، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثابت في الميدان يناديهم من خلفهم وهم لا يسمعون ولا ينظرون، فكان جزاؤهم أن أنزل الله بهم  ألمًا وضيقًا وغمًّا. 


النصر من عند الله بطاعة أوامره والتوكل عليه؛ وليس لقوة جيوش ولا لكثرة العدة والعتاد، فلقد خسر المسلمون في يوم موقعة حنين، فقال الله تعالى لهم: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}  (التوبة: 25). 
 

فلا النصر بزيادة عدد ولا الهزيمة من قلة، إنما النصر والهزيمة من عند الله، وله في ذلك حِكم ودروس وعِبر لقوم يفقهون ويعلمون هذه الحقيقة الإيمانية  الراسخة: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ  وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ  وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}  (سورة آل عمران: 160)..

لقد كان الأمر شديد الصعوبة على الرسول الكريم في السنوات الأولى في المدينة، خاصة وهو في مرحلة تأسيس دولته الحديثة في يثرب، مجتمع المدينة كان يضم تشكيلة سكانية متنوعة، تشكيلة يهودية وقبائل من البدو والحضر، مجتمع متنوع دينيا وإثنيا ومتنوع في التركيبة الاجتماعية، لذلك كان من حِكمة الله أن يُظهر لنبيه ما أخفي على رسوله من نيّات المرائين والمخادعين والخائنين والمنافقين.. 

فقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا  وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا  قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ  هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ  يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} (سورة آل عمران 166 / 167).