رئيس التحرير يكتب عن مكالمة هاتفية أنهت أزمة: الفريق كامل الوزير انحاز في شجاعة لحرية الصحافة.. قراره بسحب بلاغاته ضد "فيتو" لم يكن غريبًا عليه.. وتحية من القلب للجماعة الصحفية التي دافعت عنا
منذ اللحظة التي دارت فيها ماكينة طباعة العدد الأخير من «فيتو» وما تضمنه من ملف حول «جمهورية المستشارين»، كنا على يقين أننا ألقينا حجرًا في بحيرة راكدة، وأن ردود الفعل ستتفاوت بين مؤيد ومعارض، باعتبار أننا لم ندّعِ أننا نملك وحدنا زمام الحقيقة، وقد حدث ما توقعناه.
تلقينا ردود فعل هادئة وأخرى غاضبة، وبادئ ذي بدء فإننا نكن كل احترام لأي مصري يتحمل مسئولية وطنية، وفي القلب منها منصب الوزير، ونعلم أن الوصول إلى هذا المنصب لا بد أن يكون عبر طريق وحيد، وهو الكفاءة والقدرة والتعاطي مع هموم الجماهير، ولا يعني هذا أن يحيط أي مسئول ذاته بحصانة تحول دون رقابة أدائه قدحًا ومدحًا، ودون نقد أعماله وتصويب أخطائه.
وقد أحاطتنا الجماعة الصحفية بعناية فائقة ودعم ما بعده دعم، بدءًا من بيتنا الكائن بشارع عبد الخالق ثروت -نقابة الصحفيين- وليس نهاية بآخر صحيفة أو موقع إلكتروني أطل على شعبنا برسالته الصحفية، ولم يفاجئنا موقف الجيل الجديد من شباب الصحفيين الذي عبّر عن آماله في أن تُتاح له الفرصة لتحمل مسئولياته الوطنية كأداة رقابة وتنوير وتثقيف وتوعية.
ولم يكن غريبًا على الفريق كامل الوزير، وزير النقل والصناعة ونائب رئيس الوزراء، قراره بسحب بلاغاته ضد «فيتو»، فقد شهد له الجميع طوال مسيرته بشجاعته وأدائه وقدرته على اتخاذ القرار، ولم يكن غريبًا من سيادته تواصله معنا وتأكيده على إيمانه بحرية الصحافة وضرورة تعبيد الطريق أمام الصحفيين لأداء دورهم وتحمل مسئولياتهم الوطنية، باعتبارهم جنودًا في معركة الوطن.
ولعلي لا أكون مبالغًا إذا قلت إن المكالمة الهاتفية التي دارت بيني وبين الفريق كامل الوزير رسخت في نفسي أن الرجل انزعج من فكرة تهديد الصحافة أو الصحفيين، وأن قراره بسحب بلاغاته إنما جاء ليؤكد للجماعة الصحفية أنه ليس ضد النقد، وأنه يؤمن بضرورة قيام الصحافة بدورها في الرقابة، ونقد ما يجب انتقاده، وتشجيع الذين يتحملون المسئولية وأعباءها في وطن بحجم مصر، الكبيرة في محيطها الإقليمي والدولي.
وإيمانًا منا بأن دورنا هو التعبير عن المواطن وهمومه، وانطلاقًا من مسئولية رسالة الكلمة، أؤكد للقراء الأعزاء أننا ماضون في طريقنا، ولن نتنازل عن هذا الدور، في حمل أمانة الكلمة بكل ما تعنيه من المعنى الحقيقي للحرية المسئولة، بضبط إيقاع الصحفي والأداء المهني، وتوثيق كل ما نتناوله قدحًا أو مدحًا، كما توارثنا ذلك من رواد المهنة وأساتذتها الكبار.
عادت بي الذاكرة إلى سنوات الرجل القوي في عصر مبارك، الراحل المغفور له بإذن الله صفوت الشريف، عندما كان وزيرًا للإعلام، وقد تناولته في مقال، كلما عدت إليه اعتبرته مقالًا عنيفًا يخلو من دسم الحرفية، فتواصل الرجل معي تليفونيًا معاتبًا بقليل من الحدة.
وقبل أن يبادرني بأي تفاصيل قلت له: سيادة الوزير، سأصالحك غدًا بكتابة تقرير على صدر الصفحة الثالثة تحت عنوان "حكايات أقوى رجل في مصر"، وقبل أن أكمل حديثي قاطعني قائلًا: اسمع يا أستاذ.. أرجوك ركّز في الهجوم عليّ أفضل من وصفي بالرجل القوي!! حيث لا يمكن أن يكون في مصر رجل قوي إلا شخصا واحدا، وواحدا فقط!!
تحية من القلب إلى الجماعة الصحفية التي هبّت على بكرة أبيها دفاعًا عن حرية الكلمة، وتحية من القلب إلى الفريق كامل الوزير الذي أعلن في شجاعة أنه مع حرية الصحافة.