فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

حكايتي مع الوزير المحبوب! (2)

لماذا أحب الناس الدكتور علي المصيلحي نائب البرلمان ورئيس اللجنة الاقتصادية ووزير التموين الأسبق؟ ولماذا يعزفون اليوم حتى عن معرفة أسماء الوزراء، وكأن بينهم وبين الشعب ستارًا من الغياب أو اللامبالاة؟ كم وزيرًا في مصر استطاع أن يملك شعبية حقيقية، كتلك التي امتلكها المصيلحي أو عمرو موسى أو عاطف صدقي، فحجز مكانًا في وجدان الناس لا في دفاتر الحكومة؟ 

وهل تكفي المناصب وحدها لصناعة القبول، أم أن السر يكمن في القرب من الناس والقدرة على مخاطبة همومهم بلغة بسيطة صادقة؟ أسئلة تفرض نفسها أمام فجوة مزمنة بين الحكومة والمواطن، فجوة تجعل من محبة الوزراء استثناءً نادرًا لا قاعدة مألوفة.

لقد عرفت الدكتور على المصيلحي ابن محافظتى (الشرقية) قبل أن يصعد نجمه السياسي، وكنت شاهدًا وربما دافعًا لهذا الصعود بحوار صحفي أجريته مع وزير الغلابة نشرته جريدة الجمهورية وقتها، متضمنًا نيته الترشح للبرلمان وهو ما شجعته عليه حتى حقق الله مراده ونجح باكتساح في دائرة أبو كبير بالشرقية.

ثم واصل الدكتور على المصيلحي رحلة صعوده السياسي، إذ جرى اختياره وزيرا للتضامن في حكومة الدكتور أحمد نظيف، وهى وزارة جمعت آنذاك بين الشئون الاجتماعية والتموين، وقد أبلى فيها بلاء حسنا أفضى لنقلة نوعية بما كان يملكه من رؤية سياسية وعلمية واسعة.. 

إذ قدم دراسة معمقة لمشروع الألف قرية الأكثر فقرا على مستوى مصر، وكيف يتم تحسين حياة أهلها، بتوفير فرص عمل تحميهم من الفقر وتمنحهم التمكين الاقتصادي، وللأسف توقفت هذه الفكرة من بعده!

توطدت علاقة الوزير المصيلحي آنذاك بجريدة الجمهورية، التي نجحت وقتها في عقد توأمة مع وزارة التضامن تولت بمقتضاه مساعدة الغلابة بعد التأكد من استحقاقهم لها بالفعل.. كما خصصت الجريدة بابًا أسبوعيًا توليت الإشراف عليه، تحت عنوان الفرحة والأمل.. 

وكان يتبنى قضايا الناس لاسيما المحتاجون من مختلف الأعمار حتى إنه كان يمد يد العون للشباب الفقير غير القادر على الزواج.. وهى الخدمات التي اختفت من صفحات الجريدة رغم أهميتها الشديدة للجمهور وللصحيفة نفسها.

وفي عهد الرئيس السيسي جرى تكليفه بوزارة التموين بعد أن كان متفرغا لعضوية البرلمان، ورئيسًا للجنة الاقتصادية.. وأذكر أني قلت له يومها: كيف تترك منصبك كعضو برلمان ورئيس لجنة تراقب الحكومة وتسهم في تشريع القوانين لتعود وزيرا يخضع لمراقبة النواب ومساءلتهم فرد بقوله: هذا تكليف ولا أتوانى عن خدمة بلدي في أي موقع.. هذا هو المصيلحي الإنسان الشهم الخدوم الوطنى والوزير السياسي الذي نفتقده هذه الأيام بشدة.

كان على المصيلحى نزيها، طاهر اليد، رغم ما أحاط وزارته الأخيرة من شبهات فساد لم يكن له يد فيها، بل إنه أحدث انضباطا في منظومة توزيع الخبز الذي اختفت طوابيره وزادت جودته وحوكمته بصورة ملموسة أسهمت في وصوله لمستحقيه.

اشتهر الدكتور على المصيلحي بأنه وزير الغلابة.. وقد رحل الرجل وارتاح من آلام المرض وتبقى سيرته الحسنة بين أهله في الشرقية الذين كان دائم الحرص على لقائهم أسبوعيا يستمع لهم ويلبي مطالبهم ويقضى حوائجهم، حتى ترك رصيدا من الحب ظهر في جنازته ونعى الناس له، وحزنهم لرحيله، كما تسابق زملاؤه الوزراء لنعيه ورثائه..

رحم الله الدكتور علي المصيلحي الإنسان والوزير السياسي الذي ترك فراغا كبيرا برحيله.. فهل يجود الزمان لوزير سياسي على شاكلة الراحل على المصيلحي؟!