الشُّعب الإيمانية (4)
ما زال الحديث عن الشعب الإيمانية التي بها يكمل الإيمان، وفي هذا المقال نتحدث عن ميزان الشعب الإيمانية وحلقة الوصل بين أعلاها، وهي كلمة التوحيد والإخلاص “لا إله إلا الله”، وأدناها وهي “إماطة الأذى عن الطريق”، ألا وهي شعبة الحياء..
والحياء هي تلك الشعبة التي خصها النبي الكريم عليه وعلى آله الصلاة والسلام بالذكر دون سائر الشعب في الحديث، إذ إنها كلها خير ولا تأتي إلا بخير، كما أخبر عليه الصلاة والسلام بقوله “الحياء لا يأتي إلا بخير”، وفي رواية أخرى “الحياء كله خير”..
ولقد كانت تلك الصفة متأصلة في النبي الكريم، فعن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: “كان رسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى ما يكره عرفناه في وجهه”، والحياء يولد في النفس الخشية من الله تعالى وتقواه عز وجل، وبه وعليه تقام مكارم الأخلاق، فهو الأساس في الأدب مع الله تعالى ورسوله والخلق..
والحياء معناه “كف النفس ومنعها عن معصية الله وفيه من معانى المراقبة والإحسان في عبادة الله سبحانه”، هذا ومن كان الحياء قائده ودليله في رحلة الحياة كان مصيره ومآله إلى أفضل الخلق وأزكاها، إذ إنه كما ذكرنا أساس الإيمان ورابط الشعب الإيمانية، وخلعة الحياء تزن صاحبها بزينة السكينة والوقار وغض البصر وحفظ اللسان والجوارح..
وبالحياء تتزكى النفس وتطهر الجوارح ويسلم القلب ويسنتير، وبالحياء تسلم النساء من شرور أصحاب الأنفس والقلوب المريضة، لذا كان الأمر من الله تعالى لهن بألا يبدين زينتهن وأن يضربن بخمورهن على جيوبهن، وأن لا يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض..
وما أكثر مرضى القلوب والنفوس في هذا الزمان، الذي عم فيه الفساد وتفشى فيه الأمراض وغابت فيه الأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة بعدما انقاد غالبية أهله خلف الأهواء وحظوظ الأنفس والشهوات، في زمن العرى والخلاعة والمجون والفسق والجرأة على الله عز وجل، ومخالفة هدي الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام، هذا وصدق عليه الصلاة والسلام إذ قال “إذا لم تستحي فأصنع ما شئت”.