فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

بعد توجيهات الرئيس.. هل نجد تغييرا حقيقيا في الإعلام؟!

سعدت كما سعد كثيرون غيري باهتمام الرئيس بالإعلام وتوجيهه بضرورة وضع خريطة طريق للنهوض به، والسؤال: ما المطلوب لصناعة إعلام مبدع يعكس أولويات الوطن وينبض بوجدان المواطن؟ هل يكفي أن نزيح بعض الوجوه التي ملّها الجمهور؟ 

أو أن نستبدل أقلامًا شاخت بأخرى أكثر حيوية وقوة والتحاما بالواقع والشارع؟ أم أن التغيير الحقيقي يبدأ من السياسات لا من الأشخاص، من إعادة تعريف دور الإعلام ذاته، وتركه لضميره المهني وإبداعه المتحرر من أي قيود تجعله مسخًا مشوهًا لا روح فيه ولا جاذبية فينصرف عنه الناس إلى منصات أخرى غير مأمونة؟!

كنت أتوقع أن أجد تغييرًا جذريًّا في ماسبيرو بعد صعود المسلماني إلى قمة الوطنية للإعلام.. وكنت أتوقع أن يُفسح المجال لتنوع الأصوات والآراء في البرامج والأعمال الفنية والدرامية ليعود الجمهور من جديد للتليفزيون المصري بتاريخه وعراقته، كأقدم المنصات الشاشات في المنطقة بأسرها، حتى لا ندور من جديد في نفس الدائرة المغلقة!

هل حرية الإعلام، كما يُروَّج البعض أحيانًا، خطر على المجتمع، أم أنها أداة تنوير تحمي هذا المجتمع من السقوط في بئر الهشاشة والسطحية والعزلة والوعي الزائف، إذا ما التزم الإعلاميون والصحفيون بالضوابط العامة التي تحمي القيم وتحترم القانون في التجربة الغربية، وبالتجدد ومواكبة العصر تقنيًّا ومعلوماتيًّا؟!

كيف نطلب من الإعلام والصحافة أن ينطلقا بينما تدفق المعلومات محلك سر، والمستشارون في الوزارات والهيئات الحكومية يكبلون حرية تدفق المعلومات بقيود البيروقراطية والحساسية؟!

يا سادة.. الإعلام ليس معصومًا من الانحياز أو الأخطاء، لكنه يظل أداة مساءلة ومجالًا لتعددية الأفكار، قادرًا على كشف الفساد، وتحريك الرأي العام، ودفع المسئولين لمراجعة قراراتهم بدلا من ترك هذا الدور للسوشيال ميديا.

حرية التعبير هناك ليست شعارًا مُعلّقًا على الجدران، بل ممارسة يومية، تخضع لقوانين صارمة في التحقق من المعلومات، ومساءلة قانونية وأخلاقية لأي انحراف.

أما في بيئتنا، فكثيرًا ما تتحوّل الحرية إلى لافتة تُرفع وقت الحاجة لتجميل المشهد، ثم تُطوى سريعًا حين يقترب الإعلامي من الخطوط الحمراء.. النتيجة أننا لا نحصل على حرية حقيقية ولا على ضبط مهني جاد؛ بل نترك الساحة لخطاب رسمي مكرور، وإعلام مُروّض، ومنصات تواصل اجتماعي فوضوية تسرق زمام التأثير.

منذ اجتماع الرئيس عبد الفتاح السيسي برؤساء الهيئات الإعلامية، والحديث لا ينقطع عن خارطة طريق جديدة للإعلام.. رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي شدّد على أن تطوير القطاع الإعلامي أولوية قصوى، وأن الخطة التنفيذية ستُعرض على الرئيس في أسرع وقت.. النقابات دخلت على الخط، ولجان شكلت، وبعض الطامحين من سلالة “عبده مشتاق” تسابقوا لاقتراح رؤاهم أملًا في مقعد على مائدة القرار.

لكن، إذا لم تُعالَج مواطن الخلل ببنود ملزمة وقابلة للتنفيذ، وإذا لم يُعَد النظر في فلسفة العمل الإعلامي من أساسها، فستظل النتيجة واحدة: نفس الوجوه، نفس السياسات، ونفس انعدام المصداقية، حتى وإن تغيّرت اللافتات والعناوين.

نحتاج إلى خطاب إعلامي جديد بكل مشتملاته، وتجديد شامل في الأشخاص والمحتوى، حتى ولو كان ذلك تدريجيًا.