فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

كيلو لحمة!

سيدة مسنة طلبت كيلو لحمة من محافظ القاهرة بزيارته الميدانية للشارع، الرجل حققلها طلبها وعند الشخص العادي يعتبر صدقة ومن جبر الخواطر، وما يلفت النظر هو  قيام المحافظ بنشر صورة العجوز معه وتصريحه المستفز بأنه يحقق سعادة للمواطنين، لمجرد توفير لحم لمسنة بناء علي طلبها. وإن ما فعله عفوي ونابع من طابع إنساني وليس وظيفي.. 

 

وفي ظني إن نشر مثل هذا الخبر بتصريحات المحافظ سطحية وتسئ لكل مؤسسات الرعاية الاجتماعية، فهناك الجمعيات المجتمعية الأهلية الخيرية، جهات الزكاة والصدقات، مراسلين بيت الطعام والكساء الخ  لديهم قوائم أسماء المستحقون، وهو حق المحتاجين ودور المسنين، وزارة التضامن، كبراء تجار الحي، شيخ المسجد وقس الكنيسة معهم حق يخص المسنة.. 

 

حق التكافل والإعانة ويفترض في هذه المؤسسات الخدمية كفالة وكفاية الناس، وفرها النظام وصميم عملها وأساسها قائم على كفاية المعوز، فإن وجد الجائع لا يعني وجوده إلا تقصير في عمل العاملين بتلك المؤسسات، كما أن عدالة الهوية الدينية في شيوخ المنابر، متلقين الزكاة وتوزيع الصدقات ومحاسبين الغني في ماله بحق الفقير، فإن وجد جائع أنبأنا عن خلل في تطبيق صحيح مبادئ الدين أو خلل في جهالة وتكاسل توزيعه لمستحقيه، وتحق المساءلة للقائمين على كل تلك المؤسسات مجتمعية ودينية..  

 

الله جل وعلا من أسماؤه الستار، هي طلبت على قدرها وبساطتها فأعطها أنت على قدرك.. نفس المشهد تكرر بنفس التفاصيل مع محافظ المنيا طلبت إحدى السيدات كيلو من اللحم، فاستجاب المحافظ على الفور قائلًا: كيلو اللحمة ده على حسابي، ووجّه بتقديمه لها مجانًا.. 

 

ومحافظ ثالث عنف جزارا لأنه يبيع الكيلو ب700 جنيه، علما بأن كيلو اللحم الآن يتراوح بين 300 و500 جنيه، ومقارنة سعر الكيلو بمتوسط دخل الموظفين والعمال يكشف لماذا طلبت السيدة كيلو لحمهة، وقد ارتبط تناول اللحوم والبقوليات على مدار التاريخ بشكل كبير بالوضع الاقتصادي للأفراد والدول.. 

ففي فترات الازدهار الاقتصادي كان تناول اللحوم يعد من الوجاهة الاجتماعية، لكن السنوات الأخيرة شهدت تراجعا في تناول اللحوم وزيادة واضحة في عدد من يعتمدون على التغذية النباتية مع التخلي عن منتجات اللحوم.


عموما تللك المشاهد المصنوعة بسذاجة لا تخلوا من كوميديا سوداء على حال آلاف الأسر المصرية، يمكن وصف حال أهالى المناطق العشوائية، وسكان العشش التى لم تجد لها مكانا على خريطة أخرى سوى خريطة الجمعيات الخيرية، في موعد سنوى منتظر لأكل اللحمة، كل سنة مرة في موائد الرحمن، أو انتظارا لثلث الفقراء من لحوم الأضاحي، وسابقا كان الفقراء لا يأكلون اللحوم.. 

أما الآن فالفقراء والعمال والموظفون وأغلبية التجار ومعظم فئات المجتمع إلا القليل القليل لا تجد إلى اللحوم سبيلًا أو مالًا، ومن فيوضِ البركةِ الربّانية في شهر رمضان؛ تلك الموائد التي بسَطَ أكنافَها، ومدَّ أطرافَها؛ مائدة الفقراء، ومأدبة المساكين. 

حيث يبسط المحسنون أيديهم بالنفقة في هذا الشهر الكريم، يتلمّسون مواجعَ الفقراءِ، وأنّاتِ الضعفاء. وإطعامُ الطعام أمرٌ ندب الشرع إليه، والإطعام في الجوع؛ وهو المسغبة، لليتيم الذي ليس له أقارب، أو للمسكين الذي ليس له أحد، فشبه حاله بالملتصق بالتراب. 

قال تعالى “أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ” ومن التكذيب بالدين، أن يُمتنع عن إطعامِ المساكين، وعدم الحضِّ على إشباع جوعتهم..

وخلاصة ما حدث عندي كان تسول مسئول للقطة أو الترند أسوأ من جرأة تسول مسنة مهما كانت حاجتها، لآن الفقير لا يتسول، لدرجة أن الجاهل يحسبهم من التعفف أغنياء.