زفة بلدي
“يا أرض احفظي ما عليكي، لا دي بلدي أوي يا حسين”.. جملة حوار دارت في واحد من أهم الأفلام الكوميدية من وجهة نظري، وهو فيلم إشاعة حب بين حسين وبهيجة بنت سلطح بابا.. لابد لها أن تشغل جزءًا كبيرًا من تفكيرك، وتدور في ذهنك وأنت تتابع ما يحدث أمام لجان انتخابات مجلس الشورى منذ يومين، رقص وطبل وتطبيل ومنافسة حامية في بدر المال السياسي، مشهد ليس فيه أي تجديد أو حتى تفكير في أي ابتكار بل تكرار دون ملل.
نساء فضليات ورجال أفاضل يرقصون ويصفقون ويهتفون بأسماء مرشحين أظنهم أخذوا الكثير من الوقت كي يحفظوها، أمر مؤسف ولكن الأشد أسفًا بالنسبة لي أنني رأيت أطفالًا في هذه الزفة
كارثة بكل المقاييس.. لعب غير محسوب بمن هم المستقبل.. عزف نشاز على وتر الحوجة والعوز.
ماذا تفعلون يا سادة كيف جرؤتم على استخدام الأطفال في دعايتكم الانتخابية، هل تعرفون ماذا تفعلون بهم عقلًا ووجدانًا؟!
إنكم تعبثون بالقادم كله تعلمونه كيف يكون التطبيل وسيلة للتعبير، والرقص أداة للتأييد، والزحام من أجل وجبة أو مبلغ مال هو غاية المنى.. إنكم تخلقون جيلا من الجهلاء لم يكونوا رأيًا عن قراءة أو قناعة.. لديهم وعي كاذب ووجهة نظر مشوشة ومخدوعة وعقولهم ضائعة في زحام الاحتياج..
إنكم تفقدونهم الثقة في كل قيمة، بل وحتى فيكم أنتم، فكيف يثقون في من يستخدم براءتهم سلمًا للوصول إلي مقعد زائل في النهاية، وأظن أنكم لو ذهبتم إليهم لما عرفوكم رغم أنهم يحملون صوركم ويهتفون بأسمائكم.
كيف تعلمون المستقبل أن الواقع كاذب والقادم مزيف، والآن لمن يدفع! كان من باب أولى أن تقيموا لهم مدرسة.. أن تعطوهم كتابًا.. أن تهدوهم صورة أحمد زويل ورواية لنجيب محفوظ.. أن تسمعوهم لحنًا لبليغ حمدي وأغنية لأم كلثوم والعندليب.. أن تحفظوهم بيت شعر من قصيدة فصحى أو عامية.. أن تعطوهم قلمًا يكتبون به المستقبل لا ممحاة لمسح عقولهم.
إن استخدام الأطفال في الدعاية الانتخابية جريمة بكل المقاييس.. سبة في جبين كل من فعلها.. قضية تستحق النضال من أجلها.. أزمة تطرح السؤال أين المجلس المختص؟!
ولا يحاول أحد أن يقنعني بأن هذه البراءة جاءت لقناعة بشخص المرشح ودوره، لأنك ببساطة لو سألتهم عنه أو عن المقعد المرشح عنه أو الحزب الذي ينتمي إليه أو كون هذه الانتخابات لأي غرفة نواب أم شيوخ، فيقينا سيتلعثمون إن لم ترسم على وجوههم دهشة وحيرة واستنكار لسؤال خارج المنهج والاتفاق، وسيستمرون متجاهلين.. كفي، التطبيل والتصفيق والرقص مُجَهلين بفعل فاعل.