رئيس التحرير
عصام كامل

مؤامرات النيل.. عالم قبطي أول من فضح التحركات الإثيوبية للسيطرة على النهر.. ومستكشف برتغالي خطط لتحويله إلى البحر الأحمر

نهر النيل
نهر النيل
النيل هو أطول نهر في العالم، يتدفق عبر 4132 ميلًا (665) كيلومترًا، وينتهي شمالًا إلى البحر الأبيض المتوسط، وهذا هو الاتجاه المعتاد له من ملايين السنين إذ يتدفق من مصدرين منفصلين النيل الأبيض من أفريقيا الاستوائية والنيل الأزرق من المرتفعات الحبشية –إثيوبيا- التي تحاول الآن مثلما حاولت دائما تغيير مساره عبر سد النهضة، حتى يصبح بحيرة داخلية بما يسمح لها بالتحكم في مصير 9 دول، لكن الهدف الأكبر منذ قدم التاريخ «مصر».

 
النيل في مصر
يعتبر النيل مصدر الحياة منذ قدماء المصريين، لعب دائما دورًا حيويًا فى تاريخ البلاد منذ جريانه إليها قبل نحو خمسة ملايين سنة، وكان من أهم أسباب قيام حضارة أول دولة قومية معترف بها فى العالم، وبسبب محورية النيل في الحضارة المصرية، نسج حوله الكثير من الأساطير، منها قصة الإله أوزوريس التي كانت أشهر حكايات مصر القديمة، بعد أن قُتل على يد أخيه الإله ست، والأخير، وألقى به في تابوت داخل النهر ليستكمل النيل فصول قصة درامية لواحد من أهم آلهة مصر القديمة.
 
عاش المصريون على ضفاف النهر وعرفوا كيف يتعاملون مع الفيضانات السنوية، كما طوروا مهارات وتقنيات جديدة من الزراعة إلى بناء القوارب والسفن حتى أن النيل لعب دورًا فى بناء الأهرامات، وهي الأعاجيب الضخمة في العالم حتى الآن، كما كان للنيل تأثير عميق على نظرة المصريين القدماء لأنفسهم وعالمهم وشكل دينهم وثقافتهم.
 
لم يتوقف الأمر على ذلك بل وصل توقير النيل لدى المصريين القدماء إلى الحد الذي جعلهم يبدءون تقويمهم السنوي مع الشهر الأول من الفيضان، وزاد تكريم الديانة المصرية القديمة للنيل بجعله إله الفيضانات والخصوبة «حابي» الذي تم تصويره على أنه رجل بدين ذو بشرة زرقاء أو خضراء.
 
حروب النيل
في مصر القديمة، جرى اعتبار أمان النيل ضمانا لتوازن العالم، إذ كانت المهام الأولى والقومية للفرعون الحاكم حماية البلاد من أي غزو للبلاد أو أي خطر يزعزع مصالحه الخاصة أو مياهه، ولهذا كان يخرج فى حملات استكشافية سواء عقابية أو وقائية لمنابع النهر.
 
بخلاف الحملات الاستكشافية، لجأت الإمبراطورية المصرية القديمة إلى حماية مصالحها وأمنها المائي ببناء أسطول قادر على تحريك الجيش فى غضون أيام قليلة من أحد أطراف البلاد إلى الطرف الآخر لحماية منابع النهر، وتكشف البرديات الفرعونية عن نصوص رسمية للفترات الثلاث العظيمة من تاريخ مصر القديمة وحرصها على تنظيم البحرية وتقويتها بأفضل السفن من أجل حماية النيل.
 
كان أشهر الملوك الذين خرجوا بهذه الحملات سيزوستريس وأمنمحات، واستكمل هذه النهج بعدهما فى عصر الدولة الفرعونية الحديثة الملوك تحتمس وأمنحتب ورمسيس، والأخير جعل البحرية المصرية ترعب باسمها الجميع، إذ وصل صيتها إلى الأحباش، واعتبر الفراعنة هذه البلاد محميات مصرية.
 
كان الفراعنة فى الأسرة الحديثة يضعون قواعد للجيش المصرى فى نقاط متقدمة على طول النهر عبر تصحينات متطورة، وكلها كانت متدلية على أحد أذرع النيل التى تغذى ميناء الحرب حال تعرض منابع النيل لتقييد جريانه، وكان الفرعون الحاكم بهذه الطريقة يعبئ كل طاقات قواته ضد أي تهديد قادم من الجنوب والشمال والشرق والغرب.
 
مصر وإثيوبيا
على مدار التاريخ، وعلاقة مصر بإثيوبيا تتميز بعدم الانسجام، لكن تباين الصدام من فترة إلى أخرى بسبب القضايا الدينية ومياه النيل، لكن يمكن القول إن إضفاء الطابع المؤسسى على العلاقة الثقافية بين مصر وإثيوبيا بدأ مع اعتناق ملك أكسوم للمسيحية.

كانت المملكة الأكسومية تتمركز على الأراضى الإثيوبية والإريترية بداية من عام 330م ولمدة 16 قرنًا حتى 1959، وطوال هذه الفترة كان يتم تعيين أسقف مصرى للكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية من قبل البطريرك المصرى فى الإسكندرية، مما يعنى أن السلطة الدينية فى إثيوبيا - طوال تاريخها مصدر قوة فى عملية صناعة القرار الإثيوبى- كانت تقع تحت تأثير البطريرك المصرى والحكومة المصرية.

يشكل النيل الأزرق الغالبية العظمى من مياه النيل، ويسمى فى إثيوبيا نهر جيحون، ويعتبر أحد الأنهار الأربعة التى تتدفق من هضاب وتلال الحبشة وينسج الإثيوبيون الكثير من الأساطير التى خلقت الأصل القومى للبلاد حول هذه الأنهار.

يؤكدون أن ملكة سبأ سافرت شمالًا من إثيوبيا إلى القدس لمقابلة الملك سليمان فى عام 900 قبل الميلاد وأسفر اللقاء بينهما عن إنجاب الطفل منليك الأول، لهذا يشعرون بالفخر الشديد أن الملك الأول لهم من سلالة سليمان الإثيوبية.

بحسب الروايات الإثيوبية عندما أصبح منليك بالغًا، رفض العمل برغبة والده فى أن يصبح ملك إسرائيل بعده، وهرب إلى إثيوبيا مع تابوت العهد الذى يحتوى على ألواح الوصايا العشر التى أعطاها الله لموسى على جبل سيناء، وقام مينليك بتخزين السفينة التى هرب بها على جزيرة فى بحيرة تانا -حيث يتدفق نهر جيحون- قبل نقله إلى أكسوم.

كما يعتقد الكثير من الإثيوبيين أن المسيح والسيدة مريم العذراء، أمضيا ليلة فى تلك الجزيرة نفسها أثناء هروبهما من الأرض المقدسة إلى مصر، ومن هنا كانت الهوية المسيحية تصنع بعض التقارب بينهما، لكن مع الفتح الإسلامى لمصر عام 640 م وتحول مصر تدريجيا إلى الإسلام، أخذت إثيوبيا موقفا عدوانيا واضحا.

بدأت تحرض على انفصال الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية التى تتبع الأرثوذكسية المصرية فى الإسكندرية، بحجة تحول مصر إلى الإسلام، كما أثاروا قضية تعيين الكنيسة المصرية لأسقفهم المسيحى، فى الوقت الذى تفرض مصر الإسلامية كلمتها على القدس وتتصدى للصليبيين.

حاول الإثيوبيون التصعيد أكثر والتأثير على مجريات الحروب الصليبية، من خلال التلويح بغلق بمنابع النيل للتأثير على مجريات الحروب الصليبية، وعندما فشلوا واستولى المصريون على القدس هدد الإمبراطور الإثيوبى جيبرى مسقيل لاليبيلا (1190-1225)، الذى بنى قدسًا جديدة فى إثيوبيا بالانتقام من خلال تحويل نهر تيكيزى من مساره شمالًا إلى السودان حيث يوجد يصبح عطبرة ثم ينضم إلى النيل.

أول مؤامرة
اللافت للنظر أن أول من فضح المؤامرات الإثيوبية للسيطرة على نهر النيل، العالم القبطى المصرى جرجس بن العميد، أحد أشهر علماء الكنيسة القبطية فى القرن الثالث عشر، والذى تأثر بعمل والده فى ديوان الحربية لمدة تقترب من الخمسة عقود ما مكنه من كشف هذه المخططات الإثيوبية.

بعد إحباط المؤامرة، لم تستسلم إثيوبيا وطوال قرون لاحقة وأفكارها الانتقامية تجاه مصر تختمر بشدة، لتنقل مخططات إيذائها عبر غلق منابع النيل إلى ملوك أوروبا المسيحيين وبعض ذوى النفوذ المتطرفين مثل المستكشف البرتغالى ألفونسو دى البوكيرك، الذى نظر فى إمكانية تدمير مصر بتحويل نهر النيل إلى البحر الأحمر.

طلب دى البوكيرك فى عام 1513 رسميا من الملك البرتغالى توظيف عمال مهرة فى حفر الأنفاق لتنفيذ المخطط، لكن الملك لم يقتنع بالخطط الموضوعة وصرف النظر عنها، لكن الصراع بين مصر وإثيوبيا استكمل فصولها، وأخذ شكل حروب الوكالة على الحدود الشمالية والجنوبية الشرقية لإثيوبيا.

تجسد ذلك فى القرن السادس عشر بعد أن قرر الإمام أحمد بن إبراهيم الغازى الشهير باسم أحمد جران، غزو إثيوبيا، وكان الإمام من سلاطيين الصومال، وعلى الفور اتهمت إثيوبيا مصر بتدبير المؤامرة عليها، بعد أن استمرت هجمات جران من عام 1528م حتى عام 1543، حقق فيها انتصارات كثيرة، جعلت الكثيرين يلتفون حوله، واستطاع إلحاق أعداد كبيرة من الإثيوبيون بالإسلام، وصلوا بحسب مصادر مختلفة إلى 20 ألفا.

ظل السخط الإثيوبى على المصريين مثل النار تحت الرماد، تطور الموقف فى القرن التاسع عشر، بالصراعات الأوروبية للسيطرة على أفريقيا، والتى فتحت الباب على مصراعية من جديد للتنافس بين مصر الخديوية وإثيوبيا للسيطرة على البحر الأحمر وأعالى حوض النيل.

استمر التشاحن ليصل إلى اندلاع الحرب بين البلدين عام 1876 فى معركة جورا على أرض إريتريا حاليا، وخسر المصريون بسبب التقديرات الخاطئة والتضارب فى الخطط الحربية لقيادات الجيش المصرى الأمريكيين.

كانت الحملة المصرية تبلغ 20 ألفا، بينما بلغ عدد الجيش الإثيوبى 100 ألف، الذى تحصن بالجبال، لتساهم الجغرافيا المعقدة لبلاده فى حشد النصر ونجحوا بالفعل فى إلحاق الهزيمة بالمصريين.
 
حقبة الاستعمار
مع استعمار إنجلترا مصر عام 1882، خلق الاستعمار بالتوازى العديد من الدول الجديدة فى حوض النيل (إريتريا وأوغندا ورواندا وبوروندى وكينيا وتنزانيا) ليطلق هذا التقسيم صراعا آخر على النيل والموارد والأراضى.

وضع الاستعمار مصر فى مكانة مختلفة عن الجميع، كانت فى هذا التوقيت لدى أوروبا رمز الحضارة والتمدن، وسبقت الأفارقة جميعا بقرون زمنية فى الحداثة، وخاصة بعد الانتهاء من حفر قناة السويس عام 1869 التى أتاحت للجميع الوصول عبر مصر إلى البحر الأحمر والمحيط الهندى والمستعمرات الإنجليزية فى الهند والصين من أقصر الطرق.

فى ظل فارق الحداثة الكبير بين مصر وغيرها، لم يكن من السهل تسليم منابع النيل إلى إثيوبيا وجيرانها، وكانوا جميعا يعيشون حالة من الاضطراب الشديد على أعالى النيل لتبدأ مفاوضات معاهدة عام 1902 مع الإمبراطور الإثيوبى «مينليك» لمنع أي عمل أو مشروعات على مياه النيل الأزرق، وخاصة فى بحيرة تانا قبل العودة إلى حكومة إنجلترا - مصر، وجرى تضمين الاتفاق دول شرق أفريقيا مثل كينيا والسودان وأوغندا.

بعد تحقيق استقلالها القانونى فى عام 1922، تفاوضت مصر من جديد على اتفاقية مياه النيل لعام 1929 مع المستعمرات البريطانية فى شرق أفريقيا، ونصت هذه الاتفاقية على حق مصر فى تدفق 48 مليار متر مكعب من المياه، وجميع مياه موسم الجفاف.

نصت الاتفاقية أيضا على منح مصر حق النقض «الفيتو» على أي مشروعات لإدارة مياه المنبع، كما حصل السودان المستقل حديثًا 1956 على 4 مليارات متر مكعب من المياه.

اتفاقية 1959
فى عام 1959 كان هناك حاجة إلى توقيع اتفاقية جديدة بين مصر والسودان، وجرى تخصيص 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا لمصر، والسودان 18.5 مليار متر مكعب، كما سمحت المعاهدة ببناء السد العالى بأسوان -اكتمل عام 1971- وسد الروصيرص -اكتمل عام 1966- على النيل الأزرق فى السودان، وسد خشم القربة -اكتمل عام 1964- على نهر عطبرة فى السودان.

لكن عاد التوتر واشتعل مرة أخرى فى العلاقة بين مصر وإثيوبيا، بعد أن شعر الإمبراطور هيلا سيلاسى بالإهانة من استبعاد الرئيس عبد الناصر لإثيوبيا من اتفاقية مياه النيل والتخطيط لبناء سد أسوان، وكان رأى عبد الناصر أنذاك أن هناك اتفاقيات موقعة بالفعل مع إثيوبيا ولا حاجة لاتفاقات جديدة.
 
درس عبد الناصر
اتخذ سياسى قرارات انتقامية بدأها بإعلان طلاق الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية من الكنيسة الأرثوذكسية المصرية فى الإسكندرية، منهيا 1600 عام من الزواج المؤسسى بينهما، كما بدأ التخطيط لعدة سدود على النيل الأزرق وروافده، حيث ساهم بمبلغ 10 ملايين دولار من الخزانة الإثيوبية فى دراسة أجرتها وزارة الاستصلاح الأمريكية نتج عنها تقرير من سبعة عشر مجلدًا تم الانتهاء منه فى عام 1964 بعنوان الأراضى والموارد المائية فى الأزرق حوض النيل إثيوبيا.

رد ناصر فورًا بدعم إريتريا التى تم توحيدها مع إثيوبيا بعد الحرب العالمية الثانية على الانفصال مرة أخرى، كما دعم الصوماليين فى قتالهم لتحرير منطقة أوجادين الإثيوبية، وتكبدت إثيوبيا فى صراعها مع إريتريا -المدعومة من مصر- تكلفة باهظة، وانتهى الأمر بالإطاحة بهيلى سلاسى عام 1974، كما انتهى الصراع بحصول إريتريا على استقلالها، لتخرج إثيوبيا من الصدام بالدولة المصرية بلا شواطئ، وأصبحت دولة حبيسة.

مبارك 
أشعلت هذه الخسارة روح الانتقام أكثر، وإن كانت إثيوبيا عرفت جيدا معنى الصدام مع مصر، إلا أنها أبقت على روح العداء، ورغم محاولات الرئيس الأسبق حسنى مبارك والرئيس الإثيوبى هايلى مريم منغستو خلال نهاية الثمانيات من القرن الماضى تخفيف حدة العداء، واستبدال لغة التهديد والمواجهة بكلمات المصالحة والتعاون، إلا أن إصرار مبارك على استكمال مشروع قناة توشكى التنموى، الذى بدأ مع الرئيس السادات أثار الحقد والغيرة لدى الإثيوبيين من جديد.

كان المشروع من أهم المشروعات التنموية فى العالم آنذاك، واعتمد على استغلال 10٪ من مياه بحيرة ناصر لرى الصحراء الغربية الرملية لمصر، ما يزيد من حاجة مصر لمياه النيل حتى لو حافظت على حصتها بموجب معاهدة 1959 البالغة 55 مليار متر مكعب.

احتج رئيس الوزراء الإثيوبى ميليس زيناوى قائلًا: "بينما تأخذ مصر مياه النيل لتحويل الصحراء الكبرى إلى شيء أخضر فإننا فى إثيوبيا -مصدر 85٪ من تلك المياه- محرومون من إمكانية استخدامه لإطعام أنفسنا، ليبدأ هو الآخر ما بدأه هيلا سيلاسي بالتخطيط لسد النهضة الكبير.

تصعيد أثيوبي
استكلمت إثيوبيا تصعيدها بالتوقيع عام 2010 مع ست دول منبع (إثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وبوروندى وتنزانيا) على اتفاقية إطار تعاونى للسيطرة على المزيد من حصص المياه، وبالطبع رفضت مصر والسودان الاتفاقية؛ لأنها تحدت حقوقهما التاريخية فى المياه.

استطاعت مصر بنفوذها السياسى والدبلوماسى تعطيل الاتفاقية، وإيقاف تمويل السد من البنك الدولى، وبنك الاستثمار الأوروبى، وبنك الاستيراد والتصدير الصينى، وبنك التنمية الأفريقى، وتعطل بالفعل بناء السد.

ثورة 25 يناير
خدم إثيوبيا اندلاع أحداث ثورة 25 يناير فى مصر، وتبدأ فورا فى وضع حجر الأساس، واستغلال الفرصة فى تنفيذ مخططات عمرها قرون، لكن حماية الله شملت المصريين وقويّت دولتهم مرة أخرى، وتعقد الصراع من مرة أخرى بعد فشل إثيوبيا خلال المفاوضات الماراثونية التى دارت خلال السنوات الماضية فى الإجابة عن أخطر أسئلة تدور فى عقول المصريين:

لماذا لا يجب أن تشعر مصر والسودان بالقلق من نفوذ إثيوبيا على مياه النيل.. وماذا يمكن أن يحدث أثناء امتلاء الخزان الواقع خلف سد النهضة، وكيف يمكن التصرف عند انخفاض تدفق المياه بنسبة 25٪ لمدة ثلاث سنوات أو أكثر بعد امتلاء الخزان، وماذا سيحدث عندما تهطل الأمطار فى المرتفعات الإثيوبية؟ من سيحصل على الماء أولًا؟

كانت مسألة مياه النيل حساسة فى القرون التى سبقت عام 1900، عندما كان عدد سكان كل من إثيوبيا ومصر 10 ملايين أو أقل، فماذا سيحدث على مدار العشرين عامًا القادمة، حيث سيتجاوز عدد سكان كل منهما 120 مليون وسيتجاوز أيضا عدد سكان دول حوض النيل 600 مليون؟
لا تجيب إثيوبيا بواقعية عن أسئلة أخرى: من يملك النيل؟ وما الذى سيمنعها من غلق أبواب سد النهضة الكبير على نهر النيل الأزرق فى أي وقت بالمستقبل؟

لا ترد أيضا عندما يسأل المفاوض المصرى: كيف تتصرف مصر إذا ما طالبت إثيوبيا بعد ذلك بحصتها من المياه وتحريض دول المنبع على عقد اتفاقيات جديدة، وهل ستكون مطالبات مصر والسودان بحقوق المياه التاريخية مجرد افتراضات بما أنها ترفض حتى الآن التوقيع على اتفاق ملزم؟

ترفض إثيوبيا طمأنة مصر، مع أنها تعرف جيدا أن المخاطر التى تسوقها فى طلبها لحصة من المياه أقل بكثير من الأضرار المتوقعة على مصر التى تعتمد فى 82% من احتياجاتها المائية على النيل الأزرق الدولة، كما تعرف أن الملء المتسرع يعرض مصر لفقدان 25٪ من حصتها، وبالتالى التعرضها لخطر وجودي بالأساس لا يمكن التفاوض حوله.

تتمسك مصر بإيجاد مخرج من الأزمة بالدبلوماسية، إلا أنها تستنكر التعنت وسياسة الأمر الواقع بقيادة أديس أبابا، إذ تعرف مصر جيدا، أن كل المعطيات التاريخية بينها وبين إثيوبيا لم تحتمل أبدا إيجاد أي مجال النوايا الحسنة، فى ظل تعطش إثيوبيا للانتقام وتعريض مصالح مصر للخطر.

ما يؤكد ذلك ما يحدث الآن من توتر فى اتفاقات السد، إذ تقف إثيوبيا بمفردها بعيدا عن الدول الـ11 لحوض النيل، وتتبنى خطابا عدائيا، فى الوقت الذى تستخدم فيه مصر والسودان خطابا قانونيا وحجج فنية من أجل الحفاظ على حقوقها.

 ومع أن "إعلان المبادئ" بين الدول الثلاث وضع الأسس لملء منسق، لكن إثيوبيا ترفض التوقيع على اتفاق ملزم وأفشلت عمدا جولة من المفاوضات برعاية الولايات المتحدة بمساعدة البنك الدولي، كما أفشلت جهود الاتحاد الأفريقي، وكذلك رفضت انضمام الرباعية الدولية لإيجاد حل مما يجعل اللجوء للعنف احتمالًا قائما، ولطالما استخدمته مصر مع أثيوبيا وحقق المراد، بعد أن ترفض كل الحلول التى يمكن تحقيقها من خلال الدبلوماسية والقيادة الراشدة.

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية