رئيس التحرير
عصام كامل

سيادة الرئيس.. قصب السكر يكسب البنجر

كنا مجموعة من الصحفيين والإعلاميين ولنا مظلمة عند مسئول ليس بصغير، وعندما عرضنا عليه الأمر وقرأ الرجل أوراقنا ومستنداتنا قال: معكم الحق كل الحق غير أنى لا أستطيع أن أفعل لكم شيئا. قلنا له: وماذا نفعل إذن؟ قال: “هاتوا لنا” توقيعًا من فوق وساعتها ستجدوننا تكاتك تتحرك في انسيابية مدهشة!


تلك هى مشكلة مصر.. أن الذين بيدهم الأمر لا يستطيعون اتخاذ القرار دون أن يكون هناك توقيع على أوراق من مصادر أعلى، وأول أمس كنا في حضرة افتتاح موسم حصاد مشروع القمح بتوشكى وتحدث الرئيس عبد الفتاح السيسى فيما يظن أنه في صالح مصر.


وضمن ما تحدث فيه الرئيس مسألة استبدال زراعة قصب السكر ليكون البنجر بديلا لأن الأخير يستهلك مياها أقل وهى قضية فنية وعلمية معقدة تستلزم الانتباه جيدا، حتى لا يتصور المسئولون أن الرئيس أصدر توجيهات فتكون الطامة الكبرى، حيث إن الرئيس فقط تناول عدة أفكار للمناقشة والبحث ولم يتخذ قرارا.


وقد عدت كصحفى إلى مصادر عدة، ومصادرى اعتمدت على علماء وخبراء وممارسين على الأرض، حول قضية استهلاك قصب السكر لمياه أكثر من نبات البنجر القادم إلينا حديثا وبدأ في الانتشار مع اعتماد مصانع للسكر عليه بشكل أساسى.


عرفت مصر صناعة السكر منذ القرن الثامن الميلادى وفق طريقة تقليدية بدائية حتى العام 1818 عندما قرر محمد على باشا نقل تلك الصناعة إلى آفاق أكثر رحابة، ببناء أول مصنع سكر في قرية الريمون بالمنيا في صعيد مصر، وبعدها تطورت تلك الصناعة بشكل كبير.


وقال لى الخبراء إن البنجر فعليا لا يستهلك مياها أقل من قصب السكر إذا نظرنا إلى الأمر نظرة شاملة، إذ إن فدان قصب السكر ينتج أكثر من 60 طنًا، بينما فدان البنجر ينتج 20 طنًا فقط، وخلاصة السكر من قصب السكر أكثر من مرتين ونصف ما ينتجه فدان البنجر هذه واحدة.


البنجر نبات يترعرع في المناطق الباردة لذا فإن شهرته كبيرة فى أوروبا وأمريكا ولا تصلح زراعته في صعيد مصر، أو بالأحرى سيكون إنتاجه من السكر أقل واستهلاكه من المياه أكبر لضخامة أوراقه وزيادة البخر منها، أضف إلى ذلك أن زراعة القصب في مصر مصرية خالصة بينما نستورد بذور البنجر بشكل كامل من أوروبا!


وإذا نظرنا إلى المنتجات التى نستخلصها من قصب السكر قياسا بما ننتجه من البنجر سيفوز قصب السكر بالقاضية تماما، حيث ينتج من قصب السكر أكثر من عشرين منتجا بدءا من السكر ومرورا بالكحول والخل والأخشاب والورق، وانتهاء بما ننتجه من عناصر تفل قصب السكر وهى كثيرة ومتعددة وقد سبقتنا دول أوروبية فى الاستفادة من قصب السكر بشكل مدهش للغاية.


في منطقة الكاريبى ينتجون أعلافا غنية للماشية من بقايا قصب السكر بعد معالجتها وهى صناعة يمكن استقدامها إلى مصر بطرق حديثة، وقد دخلت بالفعل إلى بلادنا عبر شركات للقطاع الخاص، وقد تؤدى إلى تغيير كبير في مستقبل نبات قصب السكر قريبا جدا.


ومسألة قصب السكر مثيرة للغاية لمن يقترب من تفاصيلها فقد أنفقت مصر في عهد السيسى حوالى 400 مليون جنيه لإنشاء أول معمل لإنتاج شتلات قصب السكر ونجحت الفكرة بامتياز، ويمكن لها أن تؤدى إلى نتائج مبهرة في توفير المياه لو اتبعنا معها فكرة تحديث طرق الرى، مع استقدام ميكنة الحصاد والعمل وفق لا مركزية الشتلات.


الفارق في استهلاك المياه بين قصب السكر وبنجر السكر يميل لصالح قصب السكر فكل فدان من قصب السكر ينتج ثلاثة أضعاف فدان البنجر، أضف إلى ذلك أن البنجر أصلا نبات استصلاحى أى يمكن زراعته في الأراضى الصحراوية لمدة ثلاث أو أربع سنوات فقط لأنه يؤدى إلى خفض نسبة ملوحة التربة بشكل كبير.


تجارب مصر مع بنجر السكر أن الأرض لابد من إراحتها كل ثلاث سنوات، ولا يمكن لنا الاستمرار في زراعة البنجر إلى أكثر من ذلك، لأن خفض نسبة الملوحة في التربة أكثر من اللازم خطر على جودة الأرض وإنتاجها، والخلاصة أن استبدال فدان قصب السكر يؤدى إلى زراعة ثلاثة أفدنة من البنجر ليؤدى إلى نفس المحصول.


ولدى مصر تجارب بحثية عظيمة أدت إلى نتائج مبهرة فى المنيا حيث استخدمت الشتلات مع نظام رى حديث أدى إلى إنتاج فدان قصب السكر 55 طنًا مع توفير نسبة كبيرة من المياه ومع استخدام أدوات الحصاد الحديثة سيؤدى ذلك أيضا إلى تجميع 16 طنًا من الأعلاف لكل فدان واحد تنتج من مخلفات القصب.

 


إذن بلادنا تحتاج إلى ثلاثة أمور مهمة مع تحقيقها يمكننا توفير المياه ومضاعفة الإنتاج وإضافة صناعات أخرى تستوعب عمالة أكثر، وتضيف إلى صناعة السكر مجالات مهمة تصبح جزءا لا يتجزأ من البنية الصناعية العريقة فى هذا المجال، وهى تغيير مقدمة المصانع وإدخال ميكنة الحصاد واللامركزية في الشتلات.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.

الجريدة الرسمية