رئيس التحرير
عصام كامل

عقبات البهجة!

هنا لكل شيء مذاق ومعنى ولون.. لشهر رمضان والأعياد والمناسبات الدينية أو الشعبية مذاق مختلف في مصر عن باقي البلاد، للدرجة التي أقولها بدون تحيز: من لم يحضر في مصر وحاراتها شهر رمضان أو عيدي الفطر والأضحى أو الأعياد الشعبية مثل شم النسيم فقد خسر الكثير، ولا أبالغ إذا قلت لن يشعر بهم في أي مكان آخر.

 

ولشهر رمضان مكانة بارزة في عادات وتقاليد المصريين وإن خفتت الآن مع تكاثر عقبات البهجة، لكن على مر العصور، الصبغة المصرية والمظاهر والمعاني المتعددة جعلته مختلفا عن سائر بلدان الشرق.

Advertisements

 

هنا كل شيء موجود.. كانت الليالي الاحتفالية العامرة بشتى صنوف اللهو والبذخ حتى مع الأزمات والضوائق على مر العصور، من استقدام مقرئ للقرآن أو منشد ديني في دوار العمدة أوقصور الأثرياء في الماضي إلى السرادقات ومسلسلات.

 

ومن العزمومات التي يتجمع فيها الأهل والأصدقاء إلى موائد الرحمن للغرباء والفقراء.. إلى امتلاء المساجد بالمتقربين إلى الله في صلاة التراويح والفجر ودروس الفقه والعبادات.. وحين دخل الراديو والتليفزيون كانت أحاديث الشيخ متولى الشعراوي وتواشيح الشيخ طوبار والنقشبندى والفوازير والمسلسلات وألف ليلة وليلة.

أنا شخصيا حضرت بعض أيام من شهر رمضان وعيد الاضحى في بلاد إسلامية ولم أشعر بأى بهجة أو سعادة ولم أشاهد أى مظاهر للبهجة مثل التى أراها هنا في مصر.

يعنى رمضان هو مصر، تستقبله بحب وتودعه بحزن.. والعيد يعنى مصر والنكتة هى مصر ودفء اللمة في مصر.. باختصار مصر كل شيء حتى وإن تعثرت!!

 

وهذه البهجة رصد بعضها منذ زمن طويل الرحالة والمستشرقون من الاحتفال بليلة رؤية الهلال ومواكبها التي تكاد أن تندثر ومرورا بفوانيس رمضان والمسحراتي ومدفع الإفطار والكنافة والقطايف والتراويح والكعك والبسكويت وصلاة العيد والبمب فى يد الأطفال والفسيخ والبيض الملون في شم النسيم.. إلخ.

 

نعم في كل زمن مر به المصريون كانت هناك عقبات للبهجة ولكن استطاعوا أن يتغلبوا عليها إما بالنكتة أو القفشة أو المثل الشعبي أو باختراع البدائل.. مثلا صنعوا الفوانيس مؤخرا من القماش الملون حين ارتفع سعر الصفيح وتم منع الاستيراد وإن ظل الفانوس الصفيح والزجاج الملون أبو شمعة أو حتى بلمبة كهرباء هو مصدر البهجة.

 

وتحول المسحراتي الفرد من إيقاظ الحارة إلى المسحراتي الفنان في الإذاعة والتليفزيون الذي يوقظ الوطن. ومن عقبات البهجة تحول موائد الرحمن بسبب الأزمات الاقتصادية إلى وجبات جاهزة أو حتى بضع بلحات أو شوية عصير يتم توزيعها على المارة في الشارع وقت الإفطار.. وإذا ضاقت الظروف قالوا بصلة المحب خروف، ومش عارف بعد إرتفاع أسعار البصل ح يغيروا المثل ولا إيه! ومن عقبات البهجة الحاضر الذي تحوله أحداث غزة وشلالات الدم الفلسطيني إلى تحرم اللقمة والفرحة علينا جميعا.

 

رمضان بعيون الأجانب

من أقدم الرحالة الذين زاروا مصر ورصدوا مظاهر شهر رمضان فيها الأب فليكس فابري الذي قدم إلى مصر عام 1483، ورصد بعينه شوارع وحارات مصر التي تحمل في جنباتها الفوانيس بمختلف أشكالها وألوانها، ويحملها الكبار والصغار. ويصف المسحراتي قائلا: يمر ليلا في الشوارع ثلاث مرات يدق على طبلة وينادي على الناس كل واحد باسمه.


رؤية الهلال

المستشرق الإنجليزي إدوارد وليام لين، الذي زار مصر 1833، يصف استطلاع هلال رمضان بقوله: بعد أن يصل الخبر اليقين لرؤية القمر (الهلال) إلى محكمة القاضي، ينقسم الجنود والمحتشدون فرقا عديدة، ويعود فريق منهم إلى القلعة بينما تطوف الفرق الأخرى في أحياء مختلفة في المدينة ويهتفون: يا أتباع أفضل خلق الله صوموا، صوموا.

 

ويضيف: إذا لم يروا القمر في تلك الليلة، يصيح المنادي: غدا شعبان، لا صيام، لا صيام، ويمضي المصريون وقتا كبيرا في تلك الليلة يأكلون ويشربون ويدخنون، وترتسم البهجة على وجوههم كما لو كانوا تحرروا من شقاء يوم صيام، وتتلألأ الجوامع بالأنوار، كما في الليالي المتعاقبة، وتعلق المصابيح عند مداخل المآذن وأعلاها.

 

وكان علماء الحملة الفرنسية في مصر (1798-1801) قد سبقوا وليام لين في تقديم صورة حية لحياة المصريين، من بينهم آدم- فرانسوا جومار بقوله: يبدأ شهر رمضان مع ميلاد هلال هذا الشهر، ويعلن عن ذلك موكب احتفالي يسبق بداية الشهر بيومين، ويتكون هذا الموكب من حشد من الرجال يحمل بعضهم مشاعل، وبعضهم يحمل عصيا، ويقومون بأداء حركات مختلفة بها.

 

ويفتتح سير الموكب عازفين يمتطون ظهور الجمال ويضربون على طبل معدنية، بينما يمتطي عازفون آخرون ظهور الحمير ويضربون كذلك على طبل أو يعزفون على بعض آلات النفخ الأكثر صخبا.

 

مدفع الإفطار

ارتبط المصريون بمدفع الإفطار وترسخت في عاداتهم وحافظوا عليها لفترة طويلة وأصبح دوي هذا المدفع مع غروب الشمس هو الإشارة التي يجتمع عليها الجميع إيذانا لبدء الإفطار بعد صيام يوم طويل.

 

وتضاربت الآراء عن نشأة مدفع الافطار وأجمعت الروايات، على كونها وليدة الصدفة، وسواء كانت ترجع إلى خوش قدم المملوكي عام 1465 ميلاديا أو محمد علي باشا أو الخديو إسماعيل أو عباس باشا الأول فإن مدفع الإفطار عادة مصرية تجلب السعادة لينطلق بعده ويجلجل المؤذن بأذانه الجميل داعيا الناس للصلاة.


زينة موائد الملوك

الكنافة مرتبطة بشهر رمضان، وكان يطلق عليها إسم زينة موائد الملوك، واختلفت الروايات بشأن ارتباطها بشهر رمضان، منها ما ينسب إلى معاوية بن أبي سفيان (608-680 ميلاديا) أنه أول من قدمت له الكنافة من العرب كطعام للسحور، أثناء ولايته على الشام.


كما أشارت روايات إلى أن المصريين صنعوها لاستقبال المعز لدين الله الفاطمي كنوع من مظاهر الاحتفال به، وثمة رواية أخرى تقول إن أسماء بنت خمارويه بن أحمد بن طولون، المعروفة بلقب قطر الندى، أول من أدخلها إلى مصر من بلاد الشام.

 


موائد الرحمن

ويرصد الفرنسي دي فيلامون مصر عام 1589 موائد الرحمن التي عرفتها مصر منذ القدم.
يقول دي فيلامون: يجلس المصريون على الأرض يتناولون الطعام في الفناء المكشوف أو أمام منازلهم، ولديهم عادة دعوة عابري السبيل إلى مشاركتهم الطعام بصدق وحفاوة.
yousrielsaid@yahoo.com 

الجريدة الرسمية