رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ سيد درويش وأحفاده!

تخيلوا معى إذا زارنا جدنا سيد درويش الآن ما هو رد فعله؟ لن أقول للجد: زورونا كل سنة مرة، لكن أقول بعد رحيلك منذ 100عام زورونا ولو مرة واحدة، لن أكون متشائما، وأقول: لن يكمل زيارته ويقول الحمد لله اننى رحلت حتى لا أرى ما يحدث الآن!

 

سأكون متفائلا وأتوقع أنه سيصر على تكرار الزيارة، وسيمكث معنا بعض الوقت لإصلاح ما أفسده بعض الأحفاد، والغريب أنه في 10 سبتمبر 2023 مضى 100 عام على رحيله، و131 عاما على ميلاده يعنى رحلة حياته استمرت 31 عاما وقطار العمر توقف فجأة في المحطة الـ31 بدون سابق إنذار.

Advertisements

 

هو فنان الشعب الشيخ سيد درويش والذى استحق هذا اللقب الذى منحه له الشعب المصرى بعدما وجد فيه صوته وموسيقاه وأناته وهمومه الخاصة والفئوية والعامة من جهة ومن جهة ثانية انتقاله بالموسيقى العربية إلى آفاق وسماوات أخرى من التجديد والابتكار جعلته بحق على قمة التجديد وباعث للنهضة الموسيقية رغم رحيله منذ 100 عام ورغم عمره القصير الذى لم يزد عن الـ31 عاما.

 

سألت نفسي ترى ماذا كان سيفعل لو امتد به العمر إلى الثمانين أو التسعين من العمر؟
طبعا سؤال جدلى لكن ما قدمه خلال رحلته الموسيقية التى لم تتجاوز الـ 15 عاما على أقصى تقدير يفوق العقل ويدخل في مجال العبقرية التى لا تتكرر كثيرا، بعد أن بلغ إنتاجه من القوالب المختلفة العشرات من الأدوار وأربعين موشحا ومائة طقطوقة و30 رواية مسرحية وأوبريت كل ده وعمره لم يتجاوز الـ 31 عاما.



تفاؤل

وسبب التفاؤل يرجع إلى ما شاهدته الأحد الماضي في احتفال نقابة الصحفيين بذكرى مرور 100 عام على رحيل شيخنا من خلال ما قدمه الفنان المتميز علي الحجار في إحياء ذكراه بغناء العديد من الموشحات والأغاني التى يظن البعض أن زمانها فات وأن الأحفاد مشغولون بالعبث الذى يطلق عليه موسيقى وغناء، ولكن تفاعل الجمهور وأكثرهم من الشباب يزرع الأمل.

 

وسبب تفاؤلى أيضا ليس بحنجرة ووجدان على الحجار ولكن إصراره على تقديم أصوات جديدة من الشباب ليؤكد موهبته الحقيقية في تقديم الأجيال الجديدة، كما يؤكد أن حلاوة الصوت ليست المبرر الوحيد للغناء انطلاقا من عبقرية سيد درويش الذى وضع ألحانا لتغنيها العديد من طوائف الشعب لذلك منحه الشعب لقب فنان الشعب عن جداره.

 

أما على الحجار هذا الصوت الاستثنائى والموهبة المتفردة والذى ظنه البعض أنه يغنى ويبدع خارج السرب ونهره يجرى خارج المجرى العام، ولكن الاحتفاء بما يقدمه يؤكد أنه الصواب، وأنه ليس وحده وإن طفا الغث.

 

شكرا لنقيب الصحفيين خالد البلشى ورئيس اللجنة الثقافية محمود كامل وجمال عبد الرحيم سكرتير النقابة الذين أعادوا الروح للنقابة ودورها التنويرى.


الرحلة

والشيخ سيد درويش بدأ رحلته مع إنشاد ألحان الشيخ سلامة حجازى والشيخ حسن الأزهرى ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية عام 1905 الذى تركه حاملا لقب الشيخ من ارتدائه لعباءة طالب المعهد  ثم عمل في الغناء في المقاهي ثم سافر إلى الشام في نهاية عام 1908 وعاد عام 1912 وبدأت موهبته الفنية.

 

تزوج وهو في السادسة عشرة من العمر، وبذلك أصبح مسؤولا عن عائلة، فاشتغل مع الفرق الموسيقية، لكنه لم يوفّق، فاضطر أن يعمل عامل بناء، وكان خلال العمل يبحث عمن يقوى بنيانه الضعيف ويساعده على التحمل، فلم يجد إلا حنجرته، فبدأ يرفع صوته بالغناء ليردد معه باقى العمال متخذين من صوته والغناء الدعم لمواجهة الشقاء.

 

وتصادف وجود الأخوين أمين وسليم عطا الله، وهما من أشهر المشتغلين بالفن، في مقهى قريب من الموقع الذي كان يعمل به الشيخ سيد درويش، فاسترعى انتباههما ما في صوت هذا العامل من قدرة وجمال، واتفقا معه على أن يرافقهما في رحلة فنية إلى الشام في نهاية عام 1908.

 

وبين مصر والشام تنقل سيد درويش لينهل من الحياة والموسيقى حتى كان عام 1914، حيث أتقن أصول العزف على العود وكتابة النوتة الموسيقية، فبدأت موهبته الموسيقية تتفجر، ولحن أول أدواره يا فؤادي ليه بتعشق، وفي عام 1917 انتقل سيد درويش إلى القاهرة، ومنذ ذلك سطع نجمه وصار إنتاجه غزيرا، فقام بالتلحين لكافة الفرق المسرحية في عماد الدين أمثال فرقة نجيب الريحاني، جورج أبيض وعلي الكسار، حتى قامت ثورة 1919 فغنى قوم يا مصري.

 

ويقول خبراء الموسيقى أن سيد درويش أدخل في الموسيقى للمرة الأولى في مصر الغناء البوليفوني في أوبريت العشرة الطيبة وأوبريت شهرزاد والبروكة.

 

حكايات

كانت لأول أغنية زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة حكاية طريفة أن امرأة كان يحبها قالت له ذات يوم هذه العبارة ابقى زورنا يا شيخ سيد ولو كل سنة مرة.
 

ولحن آخر كان وحيه امرأة غليظة الجسم اسمها جليلة أحبها حبا عظيما وغدت إلهامه في النظم والتلحين والغناء، هجرته هذه المرأة وأخذت تتردد على صائغ في الإسكندرية وعمل لها الصائغ خلخالا فغضب الشيخ سيد وفكر بالانتقام من حبيبته وعزوله، وكان أول انتقام من نوعه على الطريقة الموسيقية الغنائية.

 

بينما كان يعمل مغنيا على مسارح الإسكندرية تعلق قلبه بحب غانيتين الأولى اسمها فردوس والثانية اسمها رضوان، فكان إذا تخاصم مع الأولى ذهب إلى الثانية والعكس بالعكس وصدف مرة أن هجرته الاثنتان معا، وبقي مدة من الزمن يتلوى من ألم الهجران.

 

وفي إحدى الليالى خطرت على باله فردوس وهاج شوقه فقصد بيتها طالبا الصفح والسماح بالدخول عليها ولكنها أبت استقباله لعلاقته مع عشيقته الثانية رضوان، فأقسم الشيخ سيد أيمانا مغلظة بأنها صاحبة المقام الأول في قلبه وجوارحه.

 

ولكن فردوس أرادت البرهان بأن يغنيها أغنية لم يسبق أن قالها أحد قبله في غانية فأنشدها في الحال: يا ناس أنا مت في حبي وجم الملائكة يحاسبوني حدش كده قال.. وانتهت الأغنية بالبيت الأخير الذي كان له شفيعا في دخول بيت فردوس، فقال: قالوا لي أهو جنة رضوان واخترت أنا جنة فردوس.

 


أول حفلة أقامها الشيخ سيد درويش في القاهرة كانت في مقهى الكونكورديا وحضر هذه الحفلة جمع غفير من الفنانين أكثر من عدد الجمهور المستمع وقدم سيد دوره الخالد الذي أعده خصيصا لهذه الحفلة الحبيب للهجر مايل من مقام السازكار وخرج عن الطريقة القديمة المألوفة في تلحين الأدوار من ناحية الآهات التي ترددها الجوقة وكانت غريبة على السمع المألوف ولذا انسحب أكثر الحاضرين لأنهم اعتقدوا أن هذه الموسيقى كافرة وأجنبية وأن خطر الفن الجديد أخذ يهدد الفن العربي الأصيل.
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية