رئيس التحرير
عصام كامل

شخصية السيدة العذراء مريم

شخصية السيدة العذراء مريم أم المسيح هى شخصية فريدة، فهي الوحيدة في جنس البشر التي قيل عنها ممتلئة النعم، والحديث عن الست العذراء مريم يتفرع إلى مجالات كثيرة وفضائلها الكثيرة، نريد أن نتعلم منها والفضيلة التى نريد أن نتقرب منها اليوم هى فضيلة الكلام.

 

لم نسمع أن الكلام فضيلة، بل كثيرون يعتبرون الكلام لابد أن يصاحبه خطأ حتى أن الآباء القديسين كان أحدهما يقول "كثيرًا ما تكلمت فندمت أما عن سكوتي فما ندمت قط". وحتى في أمثالنا الشعبية يقولون "إن الكلام من فضة والسكوت من ذهب"، لكن مع أمنا العذراء مريم يختلف تمامًا، ففى كلامها تعاليم كثيرة، حتى أننا نشتاق أن نقرأ شيئًا للعذراء قالته بفمها الطاهر، وبالرغم مما قيل من كلام السيدة العذراء قليل جدًا إلا أنه مرشد ومعلم لنا جميعًا.

Advertisements

 

الست العذراء عاشت الآية التي تقول "بكلامكَ تتبررُ وبكلامك تُدأنُ" (متى 37:12).فكان كلامها قليلًا جدًا، لأنها عاشت آيةٌ أخرى تقول "كثرة الكلام لا تخلو من المعصية" (أمثال 19:10). فهى فضلت الصمت، فأصبح الصمت فضيلة، والعجيب أن يكون الكلام أيضًا فضيلة مادام في حياة أمنا العذراء.

 

ومن خلال حياتها نجدها قد تكلمت قليلًا، ولكن هذه الكلمات القليلة فيها دروس كثيرة نستطيع أن نستفيد منها، أولًا: حديثها مع الملاك جبرائيل "فقالت مريم كيف يكون هذا وأنا لستُ أعرف رجلًا" (لوقا 34:1 )

 

يتضح من حديثها أنه استفسار عن أمر مفهوم، وبالرغم عن أنها فتاة عذراء بتول، والملاك يقول لها أنها ستحبل وتلد إبنًا ويدعى عمانوئيل، وكان ردها معه بكل هدوء ورقة وتواضع، وليس بأسلوب منفر، حتى إذا كان يكلمها الملاك برسالة تبليغ فوق مستوى إدراك العقل، ولكن لم تتعصب عليه في الرد، ولكن "فقالت له هوذا أنا أمة الرب الرب لى كقولك" ( لوقا 38:1 ).

تسبيحة العذراء


ويتضح من هذا الحديث أن أمنا العذراء كانت تمارس حياة الطاعة والخضوع الكامل لله الآب منذ الأزلى، وأيضًا فى كلامها يدل على الإيمان لأنها قبلت بإيمان وعد الله للبشر، لقد قبلت الدعوة بلا فحص ولا سؤال، فكانت لها إجابة واحدة "هوذا أنا أمة الرب" أى عبدته وأمه، والمجد العظيم الذي أعطى لها لم ينقص شيئًا من تواضعها، بل منحها الله هذا المجد، لذلك يقول عنه الكتاب "إذ نظر إلى اتضاع أمته، فصنع بها عجائب " ( لوقا 48:1 ).

 

ثانيًا: نقرأ فى تسبيحة الست العذراء مريم التى فاض بها لسانها، وفى الحقيقة قبل أن يفيض اللسان، فاض القلب الطاهر بكلام صالح، والقديسة اليصابات أم يوحنا المعمدان تستقبلها العذراء بكلام حلو ومريح يطيب الأذن والسمع، ولكنها فى جمالها ترد بالتسبيح لله وكانت تمجده وتعظمه، فقالت "تعظم نفس الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى" ( لوقا 47:1 ).

 

هذه التسبيحة ما هي إلا نموذج لنوعية كلام أمنا العذراء مريم، كلام عن الله، ونجد نوعًا آخر من كلام أمنا العذراء مريم في حياتها وهو التوسل. كنوع من الشفاعة من أجل حاجة الغير لإسعافهم فى لحظة حرجة، كما حدث في حفل عرس قانا الجليل..

فالعذراء مريم هى أمنا كلنا تحس باحتياجاتنا، وتطلب من ابنها الوحيد يسوع المسيح عنا، فهي تشفع فينا، وتتطلب عنا، فالعذراء مريم هى الشفيعة الأمينة لجنس البشر، فكلام الست العذراء كان له خصائصه ومميزاته، فكان يتحدث معها شخصيات إيجابية تبنى ولم نسمع أنها كانت تتحدث مع شخصيات غير نافعة لأنها تعلم تامًا أنها إذا تحدثت مع شخص لابد أن تسمعه..

 

فهي كانت مدققة في اختيار المتحدث إليها، وبالتالى كان كلامها له طبيعة مختلفة تمامًا عن باقى البشر. لم نسمع في كلامها هزء أوتجريح أو إدانة أو مذمة أو مجادلة أو تسفيها للآخرين إطلاقًا.

أما نحن للأسف الشديد فكثيرًا ما نهزأ أو نجرح وندين ونذم ونظلم وأحيانا كثيرًا لا نشعر بمقدار ما نفعله ونسببه للآخرين من متاعب نفسية شديد. فكلام القديسة مريم العذراء طاهرًا لم يتدنس بشيء، فالقلب الطاهر ينبع منه كلام طاهر نقى، "فالإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصالح والإنسان الشرور".

 

ولم نجد في كلامها تسرعًا بل دائمًا كانت لا تبدأ بالحديث إلا في حالة واحدة في حفل عرس قانا الجليل، فهى تعلم تمامًا أن الجاهل يسرع بالكلام حتى في مجلس الحكماء.

 

يا ليتنا نتعلم من فضائل أمنا العذراء مريم القديسة الحكيمة ونضع أمام عيوننا هذه الآية الذهبية "الموت والحياة في يد اللسان" ( أمثال 21:18 ). فالإنسان الذى يضبط لسانه ولا يدعه يتعثر في الكلام، هو رجل كامل قادر أن يلجم كل الجسم أيضًا، وهو أيضًا بلا شك يكون تلميذًا لله..

 

 

لذلك نحن نتوسل إلى أمنا العذراء أن تشفع فينا أمام الله لأن لها دالة عنده وهو لابد أن يستجيب لصلاتها وتوسلاتها وشفاعتها من أجلنا نحن البشر لينعم لنا الله بغفران خطايانا وأن يرحمنا برحمته ويرفع عنا الغلاء والوباء والظلم والحروب الشيطانية، ويطهرنا من كل دنس ويجعلنا أبناء لائقين بطهارتها. فلنهتف بكل قلوبنا ونحن في فترة هذا الصوم المبارك قائلين "مباركة أنت فى النساء" (لوقا 42:1 ). السلام لك يا ممتلئة نعمة الرب. 

الجريدة الرسمية