رئيس التحرير
عصام كامل

الإفطار الأخير

المبني  يمثل أكبر زهرة لوتس في العالم، افتتح في العام 1994، وأقامته شركة المقاولون العرب على مساحة 4800 متر، بارتفاع اثنين وأربعين طابقا، وتبلغ مساحات طوابقه مجتمعة حوالى 73 ألف متر مربع، تشكل كافة إدارات واحدة من أقدم مدارس الدبلوماسية في محيطها الدولى والإقليمي.. هنا مبني وزارة الخارجية المصرية.

 

على ارتفاع تسعة وثلاثين طابقا استعادت وزارة الخارجية المصرية في مبناها المتأنق على نيل القاهرة سُنة استنها السفير سامح شكرى وزير الخارجية، بدعوة عدد كبير من الكتاب والصحفيين والمفكرين والدبلوماسيين على حفل إفطار سنوي لم ينقطع إلا بمطاردة فيروس كورونا لثلاث سنوات متتالية تقريبا.


والإفطار مع وزير خارجية مصر يمنح الكتاب والصحفيين رؤي أكثر عمقا لما يدور حولنا من أحداث جسام تنبئ عن ميلاد عالم جديد متشابك ومعقد، وتبدو سنوات مخاضه أعقد من أن يفهما المرء بسهولة، غير أن هذه المرة كان الحديث مختلفا عن كل مرة.


رؤية النيل من علٍ وأضواء قاهرة المعز تحيط بضفتى النهر الخالد فتنعكس في ألوان زاهية مع مراكب شراعية تجوب صفحة الماء يمنة ويسرة لم يقطعها إلا قول قائل "إنه الإفطار الأخير".. انتبه الجميع للعبارة التي أيقظت الجميع من الغوص في هذا المشهد البديع.

تاريخ الدبلوماسية المصرية


نعم إنه الإفطار الأخير في هذا المبنى، ففي العام القادم ستنتقل الوزارة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وتغادر موقعا شهد أحداثا تاريخية مهمة في فترة زمنية عصيبة على جميع المستويات المحلية والدولية..

 قطع خيط الدهشة قائل آخر: يجب أن يبقى هذا المبنى جزءا من الخارجية المصرية.


وبعيدا عن التمنى وخطط الحكومة لما سيكون عليه المبنى الشاهق، شدتنى ذاكرة القراءة إلى العام 1930م عندما أهدت الأميرة نعمة الله كمال الدين ابنة الخديو توفيق وزوجة حسين كامل شقيق الملك فؤاد، والد آخر ملوك مصر الملك فاروق الأول قصرها ، ليصبح خاصا بوزارة الخارجية. 


المبنى لايزال منتصبا، شامخا، أبيا بميدان التحرير، تزينه أضواء تجعل منه لوحة فنية نادرة الوجود، ورغم صخب العاصمة وضوضائها وتلوثها، لا يزال اللون الأبيض ناصعا يطل على العامة ليحكى فصلا من تاريخ العطاء الدبلوماسي المصرى بكل إسهاماته الحضارية في محيطه.


انتهينا من حفل الإفطار، وساقتنى قدماى سيرا إلى ميدان التحرير، وقفت مشدوها أمام المبنى العتيق لوزارة الخارجية، والذي يحتفظ بين جدرانه بحكايات من الصمود، وقصص الانتصارات الدبلوماسية علي مدار أكثر من ستين عاما، أدارت مصر منه وقائعها الدبلوماسية في عصور متعاقبة.

 


صحيح المباني لا تصنع تاريخا ، ولكنها تصبح تاريخا بما تشهده من وقائع وقصص وحكايات ومواقف، وعندما تصبح جزءا من النضال الإنسانى ، لا يجب أبدا التفريط فيها مهما كان الثمن. 

الجريدة الرسمية