رئيس التحرير
عصام كامل

مظاهرات الفرنسيين.. وسن المعاش في مصر!

المظاهرات تجتاح فرنسا، ربما لم يلتفت الأغلبية من شعوبنا إلى الأسباب الحقيقية التى أدت إلى هذه المظاهرات والغضب الذى يزداد كل يوم في كل أنحاء فرنسا؟ 

السبب الذى يراه الناس الطيبون العرب، هو أن الحكومة الفرنسية تريد رفع سن التقاعد إلى أربعة وستين عاما بدلا من اثنين وستين عاما.

 

بنظرة مدققة، وبرؤية فاحصة، وبالعودة إلى التسعينيات عندما تبنت وشجعت الحكومة المصرية على فكرة المعاش المبكر كان هدفها التخلص من عدد من العاملين بقطاعاتها الحكومية المختلفة، وكانت النتيجة أن الكفاءات المتميزة ذهبت للعمل مع رجال الأعمال، أما الأغلبية الساحقة فاكتشفت أن المعاش المبكر أكبر مقلب وأسوأ خدعة لهم..

 

فتحول هؤلاء إلى عبء في حياتهم، عشرات الآلاف التى حصلوا عليها فشلوا في استثمارها لأنهم غير مؤهلين لهذا، وسواء احتفظوا بأموالهم  تحت البلاطة أو كودائع  في البنوك فإن القيمة الحقيقية تقل كل شهر، وبالتالى تحولت فكرة المعاش المبكر إلى منغصات في حياة من سمع ونفذ الفكرة.

 

وموقف آخر أثناء حوار مع سائق التوكتوك الذى قال: أصل أنا مش سواق أساسا، أنا خرجت معاش مبكر! قلت: معاش مبكر ليه وإنت مازلت صغيرا؟! قال: أصل المعاش المبكر إجبارى.. أنا كنت باشتغل في الحديد والصلب! قلت: آه.. الحديد والصلب حكاية. قال: أكثر من عشرين ألف عامل تم إجبارنا على المعاش المبكر حتى يتم بيع الشركة، أنا قدرت اشتغل على توكتوك ولكن غيرى لا يستطيع!

الحياة بعد الستين في مصر وفرنسا

قد يعتقد القارئ أن ما ذكرته لا علاقة له بما يحدث فى فرنسا، بل هى العلاقة الغائبة عن الأغلبية العظمى من المتابعين، إن متوسط أعمار الفرنسيين الرجال والنساء هو 82 سنة ونصف السنة، وفى مصر متوسط أعمار المصريين الرجال تسعة وستون سنة والنساء أربعة وسبعون سنة..

 

أريد أن ألفت النظر إلى أن رفع سن التقاعد عامين في فرنسا يراه الفرنسيون ضد استمتاعهم بحياتهم بعد التقاعد، الإنسان الفرنسى يرى أن الحياة بعد التقاعد هي للمتعة والفسحة والاستمتاع بكل شىء في الحياة، بل ويرى أن حياته لاتزال أمامه طويلة للمتعة بها، وأنه بعد التقاعد لا يجد مشكلة في الحياة لأن قيمة معاشه أو مدخراته تكفيه للسفر والاستمتاع بكل ما يرغب..

 

وفى مصر عندما ننظر إلى الذين خرجوا للمعاش المبكر اختيارا أو إجبارا كلاهما يعانى في حياته، بل يعانى في توفير قوت يومه، أما من يتقاعد في الستين فإنه يعانى وبشدة، فإن دخله يتناقص بشدة، ولا يستطيع أن يوفر قوت أسرته مع مهاجمة الأمراض، فيصبح حال المتقاعد لا حول ولا قوة.. 

 

ويحاول المتقاعد البحث عن أى عمل يحاول من خلاله سد الفجوات في حياته من قوت يومه وعلاج نفسه، خاصة أن منظومة الحياة لدينا مليئة بالثغرات التى تجعل حياة من أحيل للمعاش محبطة، ويتمنى الموت لأنه لا يشعر بان هناك في الحياة ما يستحق أن يعيش من أجله.

 

 

هل أدركنا من المقارنة بين الفرنسيين الذين يرون أن رفع سن التقاعد عامين هو خصم من متعتهم في الحياة، فى الوقت الذي نتمنى أن يكون المعاش بعد سن الخامسة والستين، لأننا بعد التقاعد تتحول حياتنا إلى كابوس، لأننا لا نحصل على ما يكفى الحد الأدنى للعيش بكرامة، ثم إن الدولة تعتبر المعاش الذى يتقاضاه المتقاعد منة حكومية وهو أمر يثير الإحباط وإهدار للكرامة.
متى يصبح التقاعد فرحة مثل الغرب وفرنسا نموذجا؟!

الجريدة الرسمية