رئيس التحرير
عصام كامل

حياة كريمة وتوطين الصناعات الصغيرة

لن نمل من التأكيد على أنه لا سبيل للخروج من أزمة الاقتصاد المصري الخانقة، وارتفاع الأسعار الرهيب وتحسين أحوال معيشة المواطن الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية والثقافية والصحية.. الخ، سوى بالاعتماد على ملفي الزراعة والصناعة، بحيث تصير مصر مصدرة أكثر من مستوردة، وفي ظني لن يتحقق ذلك الأمر في مجال الصناعة سوى بالاعتماد على المشروعات الصغيرة والمتوسطة..

 

فأي دولة سواء كانت نامية أو متقدمة، تحتاج إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتشارك في نمو اقتصادها عن طريق القطاع الخدمي والمساعدة في القطاع الصناعي أيضًا. وتظهر أهمية المشروعات أو الشركات الصغيرة والمتوسطة في أنها العصب الرئيسي لاقتصاد أية دولة سواء متقدمة أو نامية.. 

 

وذلك لتميزها بقدرتها العالية على توفير فرص العمل وأنها تحتاج إلى رأس مال منخفض نسبيا لبدء النشاط فيها، كما تتميز بقدرتها على توظيف العمالة نصف الماهرة وغير الماهرة وتعطي فرصة للتدريب أثناء العمل لرفع القدرات والمهارات، كذلك تنخفض نسبة المخاطرة فيها بالمقارنة بالشركات الكبرى، وتساهم في تحسين الإنتاجية وتوليد وزيادة الدخل. 

شركات صغيرة ومتوسطة

 

ولتوضيح هذه الأهمية نذكر وفقًا للإحصائيات، أن 90% من القطاع الخاص عبارة عن شركات صغيرة ومتوسطة (2,5 مليون شركة) تساهم بنسبة 25% على الأقل من الناتج الإجمالى المحلى وتوفر ما بين 75 إلى 85% من فرص العمل. 

 

والجدير بالذكر أن من بين كل الشركات الصغيرة والمتوسطة المسجلة قانونًا في مصر، هناك 22% فقط منهم يحصلون على تمويل من البنوك مع الأخذ فى الاعتبار أن 20% من الشركات الصغيرة والمتوسطة غير مسجلة من الأساس.

 

ووفق إحصائية صادرة عن البنك المركزي المصري، فإن الصناعات التحويلية التي تعتمد على تحويل المواد الخام إلى منتجات مختلفة تتجه إليها النسبة الأكبر من الشركات الصغيرة والمتوسطة بواقع 51% ويليها الشركات العاملة فى مجال تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 40% وباقي الشركات الصغيرة والمتوسطة موزعة على قطاع السياحة والتشييد والبناء والصحة والزراعة وغيرها. 

 

وهذا ليس مؤشر جيد، فالتوسع فى جميع القطاعات بنسب متقاربة مطلوب وصحي بغرض التنوع ودعم الاقتصاد والصناعة. وفي ظني أن مشروع حياة كريمة من الممكن أن يساهم في تطوير الصناعة وزيادة دعمها وحجمها عندما يتم الاهتمام بقطاع الصناعة ضمن أهداف ذلك المشروع الضخم الذي يشمل ما يقرب من 4584 قرية في 20 محافظة، و175 مركز و28000 تابع و58 مليون مواطن..

 

فلو وضع مشروع حياة كريمة ضمن أولوياته إنشاء مصانع صغيرة ومتوسطة في القرى وتوطين صناعات صغيرة تعتمد على الخامات المحلية بالقرية لعاد ذلك على البلاد بالخير العميم، وأظن أنه ينبغي الاهتمام أكثر بالمبادرة المصرية لتطوير الصناعة "ابدأ". 

 

وهى تعمل ضمن مشروع حياة كريمة، والمبادرة بدأت من خلال فريق المتابعة والمتطوعين فى حصر المصانع المتعثرة فى كافة المحافظات، اعتمد الفريق على بيانات وزارات الداخلية والتنمية المحلية والبيئة والصناعة، ولديهم قائمة بـ 4586 مصنعا في عشرة قطاعات صناعية في 25 محافظة.. 

 

وبدأت المبادرة فى بحث معوقات إنتاجها، وهل هى أزمات مالية أم قانونية، أم تتعلق بمخالفات بيئية وإدارية؟ ومع تجميع كل المخالفات، تتولى المبادرة فحصها لحلها بشكل سريع؛ أى تتدخل عند الجهات المسؤولة، تساعد فى التحديث والتطوير، أو النقل لمنطقة صناعية حديثة، أو المساهمة فى التمويل.

توطين الصناعة 


ونحن نريد أن نطلع هنا على آخر ما قامت به هذه المبادرة وأنجزته في القرى حتى نقيِّم التجربة عن قرب، والجزء الأهم فى هذه المبادرة فهو المتعلق بتوطين الصناعة، وتشجيع المستثمرين المصريين وأصحاب المصانع الكبرى على إنتاج معدات وأجهزة ومستلزمات إنتاج نستوردها بمليارات الدولارات سنويًا، وذلك من خلال شراكات مع كبار المصنعين العالميين. 

 

وينبغي في ذلك الإطار إزالة المعوقات والقيود التي تشكل تحديًا أمام المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر في مصر، وتتمثل بشكل خاص في ثلاثة محاور رئيسية وهي أولًا: القيود والتحديات المتعلقة بالقوانين واللوائح، وثانيًا: التحديات الخاصة بالتمويل وعدم تعدد آليات وطرق الحصول عليه، وثالثًا: القيود والتحديات المتعلقة بقدرات هذه الشركات نفسها. 

 

ونذكر بعض أهم المشكلات الخارجية التي تتعرض لها الشركات الصغيرة والمتوسطة مثل إهمال دور ثقافة الريادة والإبداع والتي تدفع الشباب نحو العمل الحر، حيث نفتقر إلى أي توجه إلى تنمية هذه الثقافة المهمة، وغياب الأسس والأطر القانونية التي من شأنها مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة. 

 

وعدم توفر البيانات والأحصائيات السوقية التي تعتمد عليها الشركات في عمل تخطيط دقيق لأعملها. وعدم وجود تنسيق بين الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. 

 

في حين أن التنسيق بين جميع هذه القطاعات يزيد الفرصة من استفادة تلك المشروعات ويؤدي لوضوح الرؤية للجميع. ووجود عدد محدود من حاضنات الأعمال، وهي مؤسسات تعمل على دعم أصحاب المشاريع من عدة نواحي مثل توفير البنية التحتية والنموذجية لتمكنهم من إنجاز أعمالهم وكذلك توفير الرعاية المثلى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لتطويريها إلى الحد الذي يضع هذه المشروعات على بداية طريق النمو دون الحاجة الى مساعدة خارجية. 

 

وعلى الرغم من بدء  البنوك لوضع برامج وخطط إقراض للشركات الصغيرة والمتوسطة، فإنها لا تزال تفضل منح قروض للشركات الكبيرة أو لتمويل العجز الحكومي. 

 

 

وهناك تحديات ومعوقات أخرى تواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة تتعلق بمناخ الاستثمار في مصر، من أهمها طول فترة الحصول على تراخيص معينة وتعدد الجهات التي تتعامل معها وأيضًا التسويق والمنافسة الشرسة مع المنتجات المستوردة ومنتجات المشروعات الوطنية الكبيرة، وكذلك المشاكل المرتبطة بضعف القدرات الإدارية والفنية والتنظيمية لتلك المشروعات بالمقارنة بالشركات الكبرى.

الجريدة الرسمية