رئيس التحرير
عصام كامل

متى نعيد الاعتبار للتعليم الفني؟!

لم يحصل تعليمنا الفني على ما يستحقه من اهتمام وتقدير سواء من الدولة أو المجتمع.. فالنظرة إليه لا تزال دونية لا ترفعه لمستوى الثانوي العام.. والنتيجة افتقاد العمالة الماهرة القادرة على مواكبة سوق العمل لاسيما في توطين الصناعة والتكنولوجيا فائقة المحتوى التي باتت كلمة السر في التقدم وتعظيم الصادرات.


فالاهتمام الأكبر عندنا يذهب دون جدوى إلى الثانوية العامة؛ بعبع الأسر وكابوس الطلاب؛ ولم يصلح شأنها التحول للتعليم الرقمي واستخدام التابلت في المدارس رغم أهميته؛ لكن المأمول شيء والواقع شيء آخر تمامًا؛ فهناك مشكلات ومعوقات صاحبت مثل هذا التحول، وشكلت عبئًا على الطلاب وأولياء أمورهم.. 

 

مثل تكرار سقوط السيستم وضعف البنية التكنولوجية في بعض المدارس وضعف وانقطاع الإنترنت في بعض المناطق أثناء أداء الامتحانات التي شهدت مع هذا التحول ظاهرة تسريب الامتحانات عبر مواقع التواصل ووجود غش داخل بعض لجان الثانوية؛ وهو ما تسبب إهدار مبدأ تكافؤ الفرص، والعدالة التعليمية.. فكيف يحصل طلاب لم يبذلوا الجهد المطلوب في التحصيل الدراسي على درجات لا يستحقونها وتساوون مع من تعبوا وسهروا الليالي في المذاكرة، وهو ما خلق حالة عدم ارتياح أو يقين مع التعليم الرقمي؟


ورغم أن بعضًا من تلك المخاوف تبدد مع تدارك الأخطاء وتقويمها.. لكن مستوى طلابنا الذين دخلوا الجامعات مرورًا بهذا النظام لا يزال دون الطموح  فبعضهم لا يجيد التعبير بلغة سليمة وهو ما استدركته الوزارة بعودة الأسئلة المقالية لورقة الامتحان.. لكننا لا نزال بعيدين عن التصنيفات المتقدمة في التعليم سواء الجامعي أو ما قبل الجامعي ما يعني أننا في حاجة لمزيد من المراجعة والتقييم والتطوير.


لاشك أن التعليم هو أحد أهم أدوات صناعة الوعي، ورافعة أي نهضة حقيقية للدول والشعوب وقاطرة أي اقتصاد، والسؤال: هل هناك حالة رضا في كافة الأوساط الاجتماعية عن أداء المدرسة، وخصوصًا فيما يخص الثانوية العامة التي تمثل صدارة الأولويات لكثير من الأسر في ظل عزوف البعض عن التعليم الفني رغم أنه في رأيي ينبغي أن يكون القوام الحقيقي لأي نهضة صناعية وإنتاجية في جميع القطاعات بدءًا بالزراعة مرورًا بالتصنيع وحتى الوصول للفضاء والأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي.. وانظروا مثلا للمردود الاقتصادي للتعليم الفني في ألمانيا التي تجنى من ورائه مليارات الدولارات سنويًا.. فماذا جنينا من التعليم الفني.. وماذا نطمح من ورائه؟!


لا ننكر أن ثمة نماذج متطورة في التعليم الفني ومدارس الاستيم لكن ما المحصلة حتى الآن.. هل وصلنا لغاية المراد.. أم أنها جهود ينبغي أن تستمر وتتعاظم حتى يتم تعميم التجارب الناجحة في عموم البلاد.. وهل يمكن لذلك أن يحدث دون إعادة الاعتبار للتعليم الفني في أذهان المصريين؟!

تطوير التعليم


وزارة التعليم تصرف أكثر جهدها للثانوية العامة التي لا نظير لها في أي دولة متقدمة، ومن ثم سعت لوضع حلول لمشكلاتها وما أكثرها وليتها فعلت ذلك مع التعليم الفني.. إذن لاختفت البطالة وتحقق المردود الاقتصادي الكبير.

 

يا سادة تطوير التعليم قضية أكبر من مجرد قصر الاهتمام على الثانوية العامة، وأشمل من رقمنة المنظومة التعليمية؛ فالتطوير المنشود في رأيي لا يقتصر على مجرد دمج التكنولوجيا في النظام التعليمي فحسب، بل إن التطوير أكثر عمقًا وأوسع نطاقًا؛ فهو يجب أن يهتم بالجودة وتلبية احتياجات الطلاب والمعلمين.. 

 

فتكنولوجيا التعليم ليست فقط كمبيوتر وشاشة رقمية وامتحانات إلكترونية بل هي، فوق ذلك وقبله، محتوى هادف منتج ومبدع ومعلم كفء مدرب تدريبًا عاليًا ومناهج متطورة تواكب روح العصر وتتحاشى الحفظ والاستظهار وتحرض على التفكير والحوار والابتكار، وطرق تدريس تربوية تبني الوجدان وتشحذ العقل وتنمي الروح، وتواكب أحدث ما وصلت إليه منتجات العقل البشري في العلوم والثقافة وفنون المعرفة المختلفة.


ثورات التكنولوجيا وعلوم الحاسوب والبرمجة تسهم بلا شك في  تحسين قدرات أبنائنا الطلاب على إيجاد حلول مبتكرة للمشكلات المحيطة بهم، من خلال استخدام تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة، والاستعداد للثورة الصناعية الخامسة، وهو ما دعا وزارة التعليم  لانتهاج استراتيجية إلكترونية فى التعليم بالمدارس؛ ومن فقد بذلت جهودا ملموسة لتنفيذ تلك المستهدفات تحقيقًا لاستراتيجية أكبر تتبناها القيادة السياسية؛ وهي إنجاز التحول الرقمي في كل  الوزارات والأجهزة الحكومية التي تتعامل مع المواطن.


لا شك أن توفير بيئة داعمة لاستخدام التكنولوجيا فى التعليم شيء ضروري لمواكبة العصر، وهو ما تبذل وزارة التعليم اليوم بقيادة الوزير د.رضا حجازي جهدًا ملموسًا للوصول إليه.. لكن هناك ملفات أخرى تنتظر الحسم مثل سد العجز في صفوف المعلمين وبناء ما تحتاجه البلاد من فصول دراسية تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلاب سنويًا، والتوسع في التعليم الفني بما يواكب سوق العمل، ويلبي احتياجاتها من عمالة فنية ماهرة ومدربة وذات كفاءة عالية تجيد لغة العصر.


رأيي أن التعليم الفني هو مفتاح المستقبل ولو أنه استحوذ على معشار الاهتمام بالثانوية العامة لكن ذلك أجدى وأكثر نفعًا.. فهل تتجه بوصلتنا للتعليم الفني المنتج المبدع.. نتمنى!

الجريدة الرسمية