رئيس التحرير
عصام كامل

حكاوي زمان.. إحسان عبد القدوس يتحدث عن علاقة الأرقام بالحب

حكاوي زمان
حكاوي زمان

نحتفل هذه الأيام بذكرى رحيل الأديب الصحفى إحسان عبد القدوس أشهر من كتب عن قصص الحب حتى أنه عندما يتحدث عن الأرقام والحسابات فهو يغلف كتابته أيضًا بالحب، وفى مجلة روز اليوسف عام 1958 كتب الأديب إحسان عبد القدوس مقالا عن الأرقام قال فيه: بدأت أغوص فى الأرقام، وبدأت أعود عينى على أشكال غريبة، إننى أنظر إلى رقم 3، 9، 8 كأنى أتعرف على أصدقاء جدد أحاول أن أقنع نفسى بخفة دمهم.

وعشت طول حياتى بعيدا عن الأرقام، كان كل من حولى يساعدنى على الهرب منها لأتفرغ لقلمى وكتاباتى، ففي عملي كانت السيدة فاطمة اليوسف تحمل عنى عبء الأرقام، وفى بيتى لم يكن من اختصاصى أن أعرف كم أكسب وكم أصرف، بل لأنى لا أعرف ما أحمله فى جيبى من نقود إلا إذا احتجت إليها تحسستها.

وفجأة وجدت نفسي وحيدا بين الأرقام، وفجأة اكتشفت أن الأرقام هى البناء الحقيقي الذي تقوم به دور الصحف.. فلا يكفى أن تكون صحفيا، ولا يكفى أن تكون كاتبا، ولا يكفى أن تكون صاحب مبدأ، ولكن يجب أن تكون وراءك آلة تحول الصحافة والفن والمبادئ وتحولك أنت شخصيا إلى أرقام.

نظرت إلى الأرقام فى عداء.. إنها أشياء كقضبان الحديد، لا تتأثر بالعاطفة ولا بالإنسانية ولا بالخيال.. أشياء تقف جامدة كقوالب الطوب، لا ترحب ولا تحب ولا تكره.. إنها تصدم عينيك فى وقاحة وتسخر منك ومن فنك ومن مبادئك.

وقابلت الأرقام عدائي بعداء، استعصت على فهمى فبدأت ابتسم لها فى نفاق، وبدأت أدللها وأصطحبها معى إلى بيتى لأقرأها فى فراشى وأنا أحاول أن أقنع نفسى أنى أقرأ قصيدة لشوقى أو مسرحية لتوفيق الحكيم.

ثم طلبت من زملائى موظفى إدارة روزاليوسف أن يعرضوا علىَّ أرقامهم فى أسلوب عاطفى يتلاءم مع طبيعتى، فقال لى مدير الإدارة: ألا تعلم لقد شرب الورق هذا الأسبوع 80 كيلو حبر، إنه ورق نهم لا يشبع.
وأجبته فى صوت حالم: هذا هو شأن الحب.. إن الحب لا يشبع أبدا ولا يرتوى، والورق يحب الحبر.. إنه معذور. 

ويعرض المدير علىَّ الحالة الضريبية للدار فيقول: إن مصلحة الضرائب لا تكف عن استعادة ذكرياتها، إنها لا تزال تقلب فى ملفات عام 1951.


تنهدت قائلا: ما أعذب الذكريات وما أشقانا بها، تعال نذهب إلى مصلحة الضرائب لعلنا عندما نستعيد ذكرياتنا نستعيد حبنا.

وهكذا أحاول أن أجعل من لغة الأرقام لغة عاطفية، وربما انتشرت هذه اللغة، وأصبح سيد أبو النجا وتوفيق بحرى وباقى مديري الصحف يتغنون الشعر بالأرقام.

الجريدة الرسمية