رئيس التحرير
عصام كامل

كارت أحمر ودقيق وأرز داخل مجلس النواب

عندما كتبت يوم الأربعاء الماضي مقالي بعنوان: قائمة عصابات التلاعب في الأسعار  للحديث عن مأساة وأزمة ارتفاع أسعار السلع بشكل مرعب ومحبط في نفس الوقت، والمطالبة بالضرب بيد من حديد لكل من ينتمي لعصابات المتلاعبين في الأسعار، لم أكن أعلم بأن مجلس النواب سيستدعي الدكتور علي مصيلحي وزير التموين أمس الثلاثاء لمناقشة عدد كبير من طلبات الإحاطة مقدمة من النواب..

ولذلك تابعت بشغف منذ الصباح الباكر كل ما دار في هذه الجلسة سواء من خلال المواقع أو من خلال صفحات النواب أنفسهم، ولذلك أستطيع القول بأنها لم تكن استجوابات ولا حتى طلبات إحاطة بل كانت الجلسة بمثابة محاكمة شعبية.

 

ولفت نظري بشدة مع نشره النائب حسام المندوه الحسيني نائب بولاق الدكرور على صفحته الرسمية حول كلمته في طلب الإحاطة الذي قدمه وما ذكره الإعلامي أحمد موسى عبر قناة صدى البلد مساء أمس عما فعله النائب داخل المجلس، بعدما أصر على مواجهة وزير التموين وهو يحمل أكياس دقيق وأرز ولبن داخل المجلس ليثبت بالدليل القاطع بأنه قام بشرائها قبل حضوره الجلسة وأن هذه المنتجات لا توجد عليها أسعار بل يقوم التجار ببيعها بأسعار متفاوتة.

 

وعندما سمعت كلمة النائب حسام المندوه تذكرت كلمات والدتي خلال زيارتها الأخيرة: "الناس في البلد تعبانه والله يا ولدي بسبب ارتفاع الأسعار"، فكلماته وانفعالاته وهو يواجه وزير التموين بكل شجاعة وقوة وصلابة داخل قبة البرلمان تجعلك تثق في أنه يعبر عن نبض وإحساس الناس ومنهم والدتي السيدة الطيبة التي تعيش في صعيد مصر، ولا تنتمي لدائرته الانتخابية، ولكن تمثل قطاع عريض من الأسر المصرية المطحونة..

استجواب وزير التموين

 كما تلغي تماما فكرة أن الحزب الذي ينتمي له النائب هو بمثابة صورة كربونية من الحزب الوطني صاحب الشعار الشهير (موافقون.. موافقون)، كما يلغي تماما مقولة: "نواب الشعب عندما يجلسون على الكرسي لا يشعرون بنبض الشعب ولا يتحركون على الأرض مع الناس إلا قبل الانتخابات بفترة قليلة من أجل حفنة الأصوات المطلوبة"، كما ينسف أيضا الفكرة الراسخة في ثقافة الكثيرين من أبناء الشعب "يا عم كل النواب زي بعض بعد ما بينجحوا محدش بيشوفهم".

 

وبحكم معرفتي بالنائب حسام المندوه -نجل أحد أهم رموز الزمالك السابقين وأحد أفضل أمناء صندوق النادي على مر تاريخه المندوه الحسيني- عندما كان عضوا بمجلس الزمالك حينما كنت أعمل نائبا لرئيس المنظومة الإعلامية بالنادي، فهو يجمع بكل دقة وحرفية يحسد عليها بين الصعوبات الثلاثة "العمل العام والعمل الخاص والتخصص المهني بصفته أستاذ جامعي وطبيب أسنان".

 

ولذلك أعتبر أن ما قاله النائب في مجلس النواب بالأمس لا يعبر عن نائب ذو جاه ومال، ولا يعبر عن نائب أصبح في فترة قصيرة للغاية أحد أهم وأبرز النواب النشيطين داخل المجلس، وإنما من وجهة نظري المتواضعة يعبر عن حسام المندوه الإنسان ذو الأصل الطيب، فعندما يقول بصوت طبيعي مدبوح وحزين ليس به أي نوع من أنواع التكلف أو التمثيل: "الناس بتصوت من الغلاء أو المواطن يئن لان مفيش رقابة من الوزارة على الأسواق وأسعار السلع" فهذا دليل على الصدق والرغبة الحقيقة في إستخدام الأداة الممنوحة له بصفته عضوا بالبرلمان لتحقيق أي تطور إيجابي في هذه الأزمة.

 

فالنائب الذي يشهر الكارت الأحمر لوزيرة الصحة السابقة الدكتورة هالة زايد يوم 5 فبراير 2021 بسبب تردي أوضاع قطاع الصحة في بولاق الدكرور، ويواجه وزير التنمية المحلية بصور صادمة من انتشار القمامة في دائرته يوم 24 مايو 2022، مؤكد أنه عندما واجه وزير التموين بالأمس بسبب أزمة بطاقات التموين وإرتفاع أسعار السلع فهو يعيش الواقع الحقيقي لحالة وظروف أهالي دائرته التي تعتبر من أصعب الدوائر في مصر ويكفي أن إسمها "الصين الشعبية".

 

 

وأخيرا.. ورغم أنني منذ صغري لست من هواة الاقتراب من النواب ، ورغم أنني لم أبدأ في المشاركة في هذه الانتخابات وأي انتخابات سياسية أخرى إلا عندما أكرمنا الله بكرمه وأنقذنا من الضياع والحرب الأهلية عام 2013، إلا أنني أجد نفسي حزين على بعض النواب الذين يدخلون المجلس ويخرجون منه ولسان حالهم يقول: "اللى جه زى اللى راح.. وزي ما جه زي ما راح". 

وللحديث بقية، طالما في العمر بقية.

الجريدة الرسمية