رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية من ذاكرة الوطن:

توفيق الحكيم الذى فقد وعيه 18 سنة!

من أبرز المعارك التى جرت فى السبعينات، هو صدور كتاب عودة الوعى للكاتب توفيق الحكيم، الكتاب الذى لم يجد في جهد وعرق شعب مصر بقيام ثورة 23 يوليو أى إيجابية، نعم لم يجد أى إيجابية، السد العالى، تأميم قناة السويس، النهضة الصناعية، تمليك الفلاح للأرض الزراعية، قوانين التأمينات والمعاشات، تعميم المجانية حتى الجامعة، ملايين فرص العمل للشباب، البعثات إلى الدراسة فى عواصم العالم، بناء آلاف المدارس، بناء آلاف المستشفيات في القرى، الثقافة الجماهيرية في ربوع مصر، السينما، المسرح، إلخ لم ير في كل هذا أى إيجابية واحدة، ويقول فى كتابه: هل كانت ثورة يوليو ذات فائدة حقيقية لمصر والبلاد العربية، أو أنها فترة معترضة لسيرها معرقلة لنهضتها؟

 

معنى سؤاله أنه كان هناك نهضة وجاءت ثورة يوليو لتوقف هذه النهضة، إذن نقرأ ماذا كتب توفيق الحكيم عن هذه النهضة التى عطلتها ثورة 23 يوليو؟

ونحن لن نصادر على رأى، يقول توفيق الحكيم: "كنا في صميم ثورة تصدر كل يوم قرارات سريعة نافعة للشعب، فيما تنم عليه من نية طيبة في الإصلاح، لم أشعر قط لحظة بغير التحمس المطلق لإجراءاتها، حتى فيما لحقني من رذاذ، بإطلاق قذائف شكاوى التطهير في كل مكان، أن مصر كانت موبؤة تحت الحكم الفاروقي".

مصر الموبوءة تحت الحكم الفاروقى! هذا رأى توفيق الحكيم.

 

ويقول توفيق الحكيم أيضا: "الماضي المتخلف والرجعي" هكذا يصف توفيق الحكيم، الحالة الحزبية قبل ثورة 23 يوليو، ويضيف أن الاثنان يلتقيان –المتخلف والرجعى-  بالقبلات والأحضان ويتبادلان أرق العبارات بالود والترحاب، ثم يتحدثان في الأوضاع الجديدة ومصير الدستور وضرورة وقوف الأحزاب كلها صفا واحدا، ووضع حد للخلافات، لايزال الكلام هنا لتوفيق الحكيم، وضرورة أن يمد كل سياسي يده للآخر لتتحد الكلمة، حفاظا على دستور البلاد!

مصر قبل ثورة 23 يوليو

 

بعيدا عن تشبيه توفيق الحكيم بالوضع بين المتخلف والرجعى، فإن المصالح الحزبية تتراجع، أمام مصلحة الوطن، وهو شىء محبب، ولكن سرعان ما تظهر حقيقة هذه العلاقة التى أطلق عليها توفيق الحكيم وصف المتخلف والرجعى، فيروى هذا الموقف.

أحمد عبد الغفار "الأحرار الدستوريين":  ومن يضمن لنا حسن نيتكم يا حزب الوفد؟ فيرد توفيق دياب: إذا كان هناك غدر فأنتم أصحاب الغدر دائما يا حزب الأقلية؟! ثم حدث التطاول بين الاثنين، كلمة من ذاك وكلمة من هذا فلم أشعر إلا بالأصوات وقد ارتفعت بالسباب من الطرفين، لم يقف الأمر عند هذا حد التراشق بالسب والشتم، بل تعداه إلى الضرب واللكم.. هذا ما كتبه توفيق الحكيم قائلا: هذا حال الحياة السياسية في العهد الملكى!

 

وصورة ثالثة عن مصر قبل الثورة، يقول: ذلك الصباح.. وفى الصباح الباكر نهضت وأدرت جهاز الراديو كما أفعل كل صباح. ولكنى سمعت شيئا غريبا لم يسبق لى سماع مثله. إنه بيان من الجيش يعلن قيامه لإصلاح الفاسد من أمر البلاد وإنه تقدم بمطالب إلى القصر الملكى لإقصاء الحاشية الفاسدة. كلمات بهذا المعنى تلقيتها طبعا بابتهاج وإن كنت لم أقدر لها من الأبعاد أكثر مما تحتمل. 

 

فما من أحد في البلاد، في ذلك الوقت، لم يشعر بالسخط والاشمئزاز لسلوك الملك الشخصي وتصرفه العام. فقد كان لا يخجل من الظهور في كل مكان بين حاشيته من القوادين المبتذلين. ولم يقف بهم عند حدود حياته الخاصة اللاهية العابثة بل تركهم يتدخلون ويؤثرون في شؤون الدولة. ولقد حاول بعض النصحاء أن ينبهوه إلى خطورة ذلك وسوء عاقبته فلم يلتفت إلى نصح. 

بل لقد رفع إلى أعتابه رجاء بتطهير قصره من مثل هذه الحاشية في عريضة رسمية موقع عليها من بعض رجال السياسة؛ فغضب منهم ولم يأبه لهم. واستمر كل شىء في طريقه المعهود! الكلام هنا لتوفيق الحكيم أيضا عن عهد فاروق الأول.

هذه آراء توفيق الحكيم في مصر قبل ثورة 23 يوليو، التى تؤكد أنه لم يكن في وعيه عندما كتب عودة الوعى، ولكن كان كتابه عربون محبة ومصالحة للرئيس السادات، ونسى أن التاريخ لن يرحمه، وكتب الكاتب الكبير محمد عودة فى مقدمة كتابه الوعى المفقود إننى أدافع عن الشرف السياسى وليس عبدالناصر!

 

 

ونسى توفيق الحكيم أنه كتب عند رحيل عبدالناصر: اغفر لي يا سيدي الرئيس فيداي ترتعشان وأنا أكتب عنك! ونسى دعوته الملحة إلى جمع التبرعات لإقامة أكبر تمثال لعبد الناصر في قلب ميدان التحرير! اخشى أن يكون النفاق جزءا من الجينات التى تطارد البعض من كبار المثقفيين.. وللحديث بقية.

تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر..

الجريدة الرسمية