رئيس التحرير
عصام كامل

الحرية في الإسلام

أن يصبح الإنسان عبدا لله وحده يصبح إنسانا حرا فمن مقاصد القرآن الكريم: إبطالُ عبودية البشر للبشر، وتعميم الحرية لكل النـاس وكل تخلف حضاري ناتج عن نقص في الحرية، فالتحضر الإنساني تحضر يجب أن يكون في جو من الحرية، فلا تكتمل حضارة حتى تتفجر المواهب وتتفتق القدرات، ولا يتحقق ذلك إلا في جو من الحرية والإبداع، وهذا ما يفسر لنا الترابط بين الحرية كفضيلة أخلاقية والحضارة كمنتج بشري تنتجه الشعوب وفق أخلاقياتها وقيمها.. 

 

وهناك عشرات الآيات التي تبين قدسية حرية العقيدة، “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ”، وحرمة الإكراه في الدين مشفوعة بسيرة سيدنا الرسول العملية (صلى الله عليه وسلم) وبالرغم من كل ذلك فقد تسلل لنا حد الردة في الإسلام عبر السياسة، وتأثرت به جميع المذاهب الإسلامية. علما بأن الردة حد أُموي الصنعة مفصل حصرا للتنكيل بالمعارضين للدولة الأموية! وتفننت فيه لاحقا الدول المتعاقبة  للقضاء على المعارضة الدينية أو المذهبية أو السياسية أو القبلية.

رفض المعصية


"لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ" نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصينُ. كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا أسْتَكرِهُهما؛ فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله فيه ذلك، فالإنسان في الإسلام حرٌّ في اختياره بعدما اتّضح له سبيل الرشد (طريق الحقّ) وسبيل الغي (طريق الكفر والإنحراف)، وعليه أن يتحمّل مسؤوليّة اختياره في النتائج الإيجابية المترتِّبة على الرشد والإيمان، وفي النتائج السلبية المترتِّبة على الغيِّ والعصيان.


ثم ان نشر الإلحاد وعبدة اللذة والشهوة، والتحرر الجنسي وربطه بالتحرر العقلي، والتعبد بثقافة السوق ووفرة الإنتاج وجشع الاستهلاك، صاحبته حملات مدروسة وممولة تدعو لهدم مؤسسة الأسرة، ولم تتورع هذه الدعوات أن تهبط ببدائلها الجديدة إلى مستوى تعف عنه الحيوانات والدواب فضلًا عن ذوي الفطرة النقية والعقول السليمة فإذا أغمضت عينيك عن الشمس وأنكرتها فلا يعني ذلك عدم وجودها، بل يعني أنك عطلت أداة المعرفة بها والكشف عنها.

 

ولم يكن يوسف (ع) يعاني عنة جنسية، بل هو كأي شاب ممتلئ رغبة جنسية، لكنه وقف في مفترق طريق، بين أن يلبي رغبة امرأة العزيز فيفقد مناعته الأخلاقية، ويخون ولي نعمته، وبين أن يرفض الانحراف، ليحفظ لروحه طهارتها من خلال محافظته على طهارة جسده. فهو لم يكن يرفض المرأة بدليل أنه تزوج فيما بعد، ولكنه رفض أن يعصي الله في علاقة غير مشروعة، ولذلك فإنه بعد المرور بالتجربة الصعبة والنجاح فيها، شعر بقوته أكثر، وبحريته أكثر، وبقربه من الله أكثر.

 

 

ولهذا كان قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب/ 36). التطبيق الحياتي: لا حرية أمام أوامر الله ونواهيه، بل لابد من الاستسلام المطلق؛ لأن إرادتك –بعدما آمنت– هي صدى لإرادة الله، فلا استقلالية لك أمامه، إستقلاليتك هي أمام الآخرين كلهم، وهذا هو معنى أنّ عبوديتك لله هي حريتك الحقيقية؛ لأنّها تحررك من كل القيود المصطنعة. وورد في الحديث: “مَن أراد عزًّا بلا عشيرة، وغنىً بلا مال، وهيبةً بلا سُلطان، فلينتقل من ذلِّ معصية الله إلى عزِّ طاعته”.

الجريدة الرسمية