رئيس التحرير
عصام كامل

فنانة الملوك وأيقونة العيطة.. من هي الحاجة الحمداوية التي احتفى بها "جوجل"

الحاجة الحمداوية
الحاجة الحمداوية المغربية

احتفى محرك البحث "جوجل"، اليوم الجمعة، بذكرى الفنانة المغربية الراحلة الحاجة الحمداوية، والتي توفيت العام الماضي عن عمر ناهز 91 عاما، بعد مسار فني مليء بالأحداث المثيرة.

وكانت عملاقة الفن الشعبي المغربي الحاجة الحمداوية، تُوفيت عن عمر ناهز 91 عامًا بعد صراع مع مرض عضال يوم 5 أبريل 2021.

الحاجة الحمداوية 

وُلدت الراحلة واسمها الحقيقي الحجاجية الحمداوية سنة 1930، وترعرعت بمدينة الدار البيضاء، وكان والدها من عشاق فن العيطة، ودأب على استدعاء فرق الشيخات والشيوخ فنانو العيطة في المنسبات العائلية والأفراح في بيتهم بالحي الشعبي مرس السلطان.

عاشت الفنانة المغربية الحاجة الحمداوية حياة الفقر والترف، وجالت مدن العالم لتنشر تراث فن العيطة، تقلَّبت في ظلام المخافر والسجون، وكانت ضيفة محبوبة لدى الأميرات والملوك.

وبعد 7 عقود من الكلام الموزون، ركنت الحاجة الحمداوية (91 سنة) أيقونة العيطة المغربية للصمت، وأعلنت اعتزالها الفن قبل أن تغادرنا إلى دار البقاء.

 

من المسرح للعيطة

ورثت الحاجة الحمداوية -واسمها الحقيقي الحجاجية الحمداوية- حب العيطة (وهي تراث شعري وموسيقي تقليدي) عن والدها الذي كان يعشق هذا الفن، وكان لا يدع مناسبة تمر دون الاحتفال بدعوة "الشيخات"، وهي فرقة غنائية نسائية تغني العيوط (جمع عيطة).

بعد إنهاء زواجها في سن 19 عامًا، دخلت الحجاجية عالم الفن من باب المسرح ضمن فرقة الفنان المغربي الشهير بوشعيب البيضاوي، ولم تكن تعلم وهي تؤدي أدوارها المسرحية أن طريقًا آخر سينفتح أمامها وسيكون لها فيه الريادة ولن يفارقها عنه سوى وهن الجسد وضعفه.

واستطاعت الحاجة الحمداوية ومنذ ذلك الحين أن تطبع بصمتها الخاصة على هذا اللون الغنائي الشعبي، وتحافظ على كلماته التراثية بتوزيع عصري حيث حازت أغانيها على شهرة واسعة، وحضيت بانتشار كبير في المغرب، وقادها تألقها إلى القيام بجولات فنية في مختلف دول العالم، لنشر فن العيطة ولقاء أفراد الجالية المغربية في الخارج.

وتركت الفقيدة وراءها ريبيرتوارا شعبيا غنيا في فن العيطة المغربي، وكانت من أنجح أغانيها: (دابا يجي)، (منين أنا ومنين أنت)، (آش جا يدير)، (هزو بينا لعلام)، (مما حياني)، (الكاس حلو)، والقائمة طويلة من الإنتاجات الفنية التي ضلت راسخة، وترددها أجيال متعاقبة. 

 

ضيفة على السجن

كانت الحاجة الحمداوية ضيفة دائمة على مخافر الأمن الفرنسي في مرحلة الاستعمار؛ فبعد كل أغنية تغنيها يتم استدعاؤها واستنطاقها بشأن معاني كلمات الأغنية والمقصود منها والتلميحات التي وراءها.

وحين غنت الحمداوية في الخمسينيات أغنية "آش جاب لينا حتى بليتينا آ الشيباني (العجوز).. آش جاب لينا حتى كويتينا آ الشيباني.. فمو مهدوم (مكسور) فيه خدمة يوم"، لم تكن تعلم أن هذه الكلمات التي صارت على لسان جميع المغاربة ستصبح علامة فارقة في قدرها.

فبسبب هذه الأغنية ذاقت مرارة السجن والتعذيب؛ إذ اتهمتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية في الدار البيضاء بلمز وذم "ابن عرفة" الذي نصبته سلطات الحماية الفرنسية سلطانًا على المغرب بعد نفي السلطان الشرعي محمد الخامس.

وكما تعرَّضت الحمداوية للاعتقال والتعنيف، تعرض عدد من فناني العيطة من جيلها للقمع والتضييق في تلك المرحلة؛ حيث كانت الفرق الغنائية التقليدية تتنقل بين المدن والقبائل بترخيص وإذن مختوم من الإدارة الاستعمارية، فكان يحرم منه الفنانون الذين يغنون أنواعًا معينة من "العيوط" خاصة تلك التي يعتبرونها تحريضية وتقوي العاطفة الوطنية والدينية.

 

مغنية القصور

لم تتحمَّل الحمداوية المضايقات المستمرة التي تعرضت لها بسبب أغانيها؛ فحملت أوجاعها وهاجرت إلى باريس حيث تعرفت على ثلة من الفنانين المغاربة والعرب.

وفي عاصمة الأنوار، أبدعت في أداء أغانٍ جديدة ظلت علامات فارقة في مشوارها الفني؛ لكن المضايقات والاستجوابات لم تتوقف من طرف عناصر الأمن، فرجعت إلى المغرب بعد عودة السلطان محمد الخامس من المنفى.

بعد الاستقلال بدأت نجاحاتها تتوالى؛ فغنت في القصور الملكية في عهد 3 ملوك: "الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني والملك محمد السادس"، وغنت في حفلات الجنرال محمد أوفقير ورجال الدولة، كما شاركت في إحياء زفاف الملك محمد السادس والأمير مولاي رشيد.

كانت وقفتها على المسرح وهي تحمل الدف وترتدي القفطان المغربي الأنيق، تضفي على أدائها سحرًا جعلها تحظى بإعجاب الجمهور واحترامه وتقديره.

الاعتزال

لم تكن فكرة اعتزال الغناء تراود الراحلة، التي عاشت حياة الفقر والغنى، وكانت تعول عائلتها الكبيرة، إلا في صيف 2020 عندما قرَّرت منح قائمة أغانيها وموروثها الفني حصريًّا للفنانة الصاعدة كزينة عويطة.

حيث أعلنت خلال ندوة صحفية جمعتها بالفنانة الشابة عن قرار اعتزالها وتوقيعها عقدًا لا يحق بموجبه لأي فنان آخر أن يتصرف في أغانيها دون الرجوع إلى الفنانة الصاعدة والحصول على موافقتها.  

وكان آخر أعمال هرم فن العيطة في مسيرتها الطويلة "ديو" جمعها مع الفنانة كزينة عويطة، وكان يحمل عنوان "حاضيا البحر"، وصُور على طريقة الفيديو كليب.

الجريدة الرسمية