رئيس التحرير
عصام كامل

سوناك بين الفوضى والتحديات

خسر رئيس وزراء بريطانيا الجديد ريشي سوناك، معركته على الرئاسة مع ليز تراس، قبيل وفاة الملكة اليزابيث الثانية، لأنها لم تكن لتسمح بوصول أحد المجنسين من أبناء المستعمرات البريطانية إلى الحكم، لكن الأمر اختلف بعد وفاتها وفي ظل حداثة عهد الملك تشارلز بالحكم، وفشل البرنامج الاقتصادي لرئيسة الوزراء ليز تراس، الذي سبب صدمة في الأسواق، فاضطرت للاستقالة بعد 6 أسابيع فقط من توليها الحكم، ليعود الهندي ريشي سوناك إلى الواجهة في منافسة مع رئيسه السابق بوريس جونسون، الذي انسحب فجأة، كذلك انسحبت وزيرة الدفاع السابقة بيني موردونت، وكأن هناك من دعاهما للانسحاب، حتى يتولى ريشي سوناك بالتزكية زعامة حزب المحافظين ورئاسة وزراء بريطانيا!


يدور همس عن الصعود السياسي الصاروخي للهندي ريشي سوناك، حتى تولى حكم بريطانيا، وأن هناك من يقفون خلفه ويريدون تكرار ما فعلوه في الولايات المتحدة بإيصال الأفريقي باراك أوباما إلى سدة الحكم لتنفيذ أجندة عالمية، وجاء الدور على ريشي سوناك لتنفيذ أجندة في بريطانيا، حيث تنطبق عليه كثير من المواصفات، فضلا عن أنه تميز خلال عمله لسنوات في بنك "غولدمان ساكس"، الذي أسسه ماركوس جولدمان وتبلغ أصوله 1.5 تريليون دولار، وتمكنت منظمة غولدمان ساكس، من إيصال كثير من الأسماء إلى مراكز قيادية حساسة خصوصا في الولايات المتحدة، وكانت أكبر داعم ومتبرع للحملات الانتخابية التي أوصلت أوباما إلى الحكم، كما كانت من ممولي حملة هيلاري كلينتون، وغيرهما.

 

أول رئيس وزراء


تجيد المنظمة الاستثمار في الأزمات العالمية التي تديرها باقتدار عن طريق عملائها في المواقع القيادية وتجني من خلفها مئات المليارات، إن لم تكن هي المتسبب في الأزمات حتى تستثمرها بعد ذلك. تمكن قادة مافيا المال من إسقاط ليز تراس، في ستة أسابيع بعد وفاة الملكة القوية اليزابيث الثانية، وتتويج ريشي سوناك، للاستثمار في الأزمة البريطانية العميقة وإدارتها بما يحقق مصالحهم.

 

صنع ريشي سوناك، بتوليه الحكم تاريخًا جديدًا يسجل باسمه، خصوصًا تزامن وصوله للحكم مع ذكرى عصيان غاندي، في كفاحه لاستقلال الهند عن بريطانيا الذي تحقق في 1947، دار الزمن وتولى هندي حكم بريطانيا في يوم العصيان الشهير.

 

بات ريشي سوناك (42 عامًا)، أصغر رئيس وزراء في المملكة المتحدة، أول رئيس وزراء ملون "غير أبيض" يتولى المهمة نفسها في بريطانيا، كما أنه أول رئيس وزراء هندوسي ملتزم دينيًا في المملكة المتحدة، ومن المفارقات أنه تولى المنصب وسط الاحتفال بمهرجان ديوالي، الذي يحتفل به الهندوس باعتباره رمز لانتصار النور على الظلام والخير على الشر، وأصبح ريشي سوناك أيضاَ أول رئيس وزراء يعينه الملك تشارلز الثالث.

 

فوضى اقتصادية


يعتبر ريشي سوناك، أغنى رئيس وزراء بريطاني، حيث بلغت ثروته في 2022 مع زوجته أكشاتا مورتي، ابنة ملياردير هندي معروف، 730 مليون جنيه إسترليني، وهي تزيد على ثروة الملك تشارلز وزوجته كاميلا. ويواجه ريشي سوناك، الذي شغل منصب وزير مالية في حكومة بوريس جونسون لمدة عامين ونصف، مهمة صعبة وتحديات لانتشال البلد من الفوضى الاقتصادية التي سببتها خطط ليز تراس، التي حذر منها ريشي سوناك، وثبت أنه على صواب. 

 

حيث أدت الميزانية المصغرة التي طبقتها إلى انخفاض الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له منذ عقود وانهيار أسعار السندات، ارتفاع تكاليف الاقتراض ودفع صناديق التقاعد إلى حافة الإفلاس، كما أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى ارتفاع مدفوعات الرهن العقاري، وسحب المقرضون منتجاتهم من السوق.

 

يمكن إرجاع نجاح ريشي سوناك، بشكل مباشر إلى الفوضى التي شهدتها بريطانيا في الأشهر القليلة الماضية، إلى جانب نجاحه الشخصي في التعامل اقتصاديًا مع جائحة كورونا، حيث تمكن من مساعدة الشركات والشعب عبر برامج الإنفاق الحكومي الكبيرة التي أنقذت العديد منهم.


وحزبيًا يواجه ريشي سوناك، تحدي توحيد حزب المحافظين المنقسم على نفسه ويواجه تهديدًا وجوديًا، حيث لم يستطع جونسون أو تراس، التغلب على التيارات المتعددة في الحزب، وستكون الصعوبة الأكبر أمام سوناك مع الجناح المؤيد لبوريس جونسون والذي يعتبر سوناك "خائنًا" لرئيسه القديم، لأن استقالته من وزارة المالية أدت إلى انهيار الحكومة واستقالة جونسون.

 

ريشي سوناك، الذي أدى اليمين أمام البرلمان على البهاغافاد غيتا (نص هندوسي)، تعهد لأعضاء البرلمان من المحافظين، أنه لن يسمح بانتخابات عامة مبكرة رغم أن أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب العمال دعت إليها رفضا لاختياره رئيسا للوزراء، كذلك دعت رئيسة وزراء إسكتلندا إلى انتخابات مبكرة رفضا لتولي "هندي هندوسي" الحكم، كما لوحت بإجراء استفتاء جديد للاستقلال عن التاج البريطاني.

 

يعلم ريشي سوناك جيدا، أن أسهم حزب العمال تقدمت على المحافظين للمرة الأولى منذ 20 عامًا، من هنا سيقاتل للبقاء في الحكم، ودعا أعضاء الحزب إلى التركيز على السياسات لا الشخصيات والعمل بشكل موحد، مؤكدا أن الأولوية للاستقرار الاقتصادي وخفض التضخم لمنع انزلاق البلد إلى الركود، والعودة إلى تقاليد حزب المحافظين.

الالتفاف حول ريشي سوناك، لا يمنع أن لديه مشكلات خاصة تؤرقه منها ملف تهرب زوجته من الضرائب، وتورطه شخصيًا في حفلات بوريس جونسون، خلال إغلاقات كورونا، والتي تعرض بسببها لغرامة مالية، وسيعاد التحقيق بشأنها الأسابيع المقبلة، وربما تقود إلى انتخابات مبكرة.

الجريدة الرسمية