رئيس التحرير
عصام كامل

فضل قيام الليل من القرآن الكريم والسنة النبوية

قيام الليل
قيام الليل

تترتّب على قيامِ الليل أجورٌ وفيرةٌ، وفضائل كثيرةٌ، وسعادةٌ كبيرةٌ في الدُّنيا، والآخرة، ويظهر ذلك فيما حَوته نصوص الكتاب، والسنّة من أفضليّتها، وقد اكتظّت الأدلّة بفَضْلِ قيام الليل، فمِمّا ورد في الكتاب ما يأتي:

 

قَوْله -تعالى-: (وَمِنَ الْلّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً لّكَ عَسَىَ أَن يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقَامًا مّحْمُودًا)، وهذا الأمر في الآية الكريمة وإن كان مُوجَّهًا إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فهو مُوجَّهٌ أيضًا إلى عامّةِ الأمّة من المسلمين؛ فهم داخلون في هذا الأمر، ومُطالَبون بأدائه، وهو بهذا ليس أمرًا خاصًّا بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وحده. قوله -تعالى-: (إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبّهُمْ إِنّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُواْ قَلِيلًا مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)، وفي هذا ثناء من الله -عزّ وجلّ- على القائمين ليلًا، ووَصْفهم بالإحسان. قوله -تعالى-: (وَعِبَادُ الرّحْمََنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا*وَالّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجّدًا وَقِيَامًا).

 

 وفي هذا إعلاء الله -تعالى- شأنِ مَن يقومون الليل، واعتبارهم من عباده المُتَّقِين الأبرار. قوله -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)، وفي هذا عدم تسويتهم بغيرهم.

 

قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ*قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا*نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا*إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا*إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا*إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا*وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا)، وفيه حَثٌّ من الله -تعالى- على قيام الليل، وبيان أنّه أشدّ توافُقًا مع الحِفظ،وأبلغ، فجاء أمره -سبحانه- لنبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-؛ بتخصيص وقتٍ له في جوف الليل. قوله -سبحانه وتعالى-: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، وفي إدخال مَن يقومون الليل في جُملةِ صِفات عباد الرحمن. قوله -سبحانه وتعالى-: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وفيه بيان من الله -تعالى- أنّ هذه العبادة عبادةٌ غنيّةٌ بالأجر؛ إذ إنّه جعلَ جزاءها رفيعًا عاليًا عنده؛ فهي من أعمال الخفاء والاستتار في جُنْح الظلام.

 

فَضْل قيام الليل من السنّة 

ورد في السنّة من فَضْل قيام الليل ما يأتي: إقرارٌ بعظيم فَضْل قيام الليل، كما جاء في الأحاديث الصحيحة التي بيّنت ذلك، واعتبرتها بعد الفريضة في المكانة عند الله -تعالى-؛ فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ).

 

 دأبُ عباد الله الصالحين، وبابٌ واسعٌ في الحَطّ من الخطايا، والسَّيّئات، ونَيلٌ للأجور والحَسنات؛ فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (عليكُم بقيامِ اللَّيلِ، فإنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحينَ قبلَكُم، وقُربةٌ إلى اللهِ تعالى ومَنهاةٌ عن الإثمِ وتَكفيرٌ للسِّيِّئاتِ، ومَطردةٌ للدَّاءِ عن الجسَدِ).

 

 سببٌ لنَيل الجِنان من الرحمن؛ إذ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ)، سببٌ للوقاية من الفِتَن، والنَّجاة منها، وهي استعدادٌ عظيمٌ من الحَسَنات للآخرة؛ فقد جاء عن أمّ سلمة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَيْقَظَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةً فَزِعًا، يقولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الخَزَائِنِ، ومَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَن يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ -يُرِيدُ أزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ- رُبَّ كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ في الآخِرَةِ).

 

 سببٌ في تحقيق صفاء النفس، وتزكيتها؛ ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحَيْن عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإلَّا أصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ).

 

 كَراهة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- نومَ الليل كلّه؛ فقد جاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (ذُكِرَ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ، فقِيلَ: ما زَالَ نَائِمًا حتَّى أَصْبَحَ، ما قَامَ إلى الصَّلَاةِ، فَقالَ: بَالَ الشَّيْطَانُ في أُذُنِهِ).

 

 حَثُّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الإمام عليّ بن أبي طالب، وابنته فاطمة -رضي الله عنهما-، ووصيّته لهما بالحرص على هذه العبادة النافعة؛ فقد ورد في السُّنّة: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَرَقَهُ وفَاطِمَةَ بنْتَ النبيِّ عليه السَّلَامُ لَيْلَةً، فَقالَ: أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنْفُسُنَا بيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذلكَ ولَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شيئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وهو مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وهو يقولُ: {وَكانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شيءٍ جَدَلًا).

 

شَرَفٌ للمؤمن؛ فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أتاني جبريلٌ، فقال: يا محمدٌ! عشْ ما شئتَ فإنكَ ميتٌ، وأحببْ منْ شئتَ فإنكَ مفارقُهُ، واعملْ ما شئتَ فإنكَ مجزيٌّ بهِ، واعلمْ أنْ شرفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ، وعزَّهُ استغناؤهُ عنِ الناسِ).

 حَثُّ النبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- الأزواج والزوجات بالتعاون بينهم؛ لأداء عبادة قيام الليل؛ فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (رحمَ اللَّهُ رجلًا قامَ منَ اللَّيلِ فصلَّى، ثمَّ أيقظَ امرأتَهُ فصلَّت فإن أبَت نضحَ في وجهِها الماءَ ورحمَ اللَّهُ امرأةً قامَت منَ اللَّيلِ فصلَّت، ثمَّ أيقَظَت زوجَها فصلَّى فإن أبى نضحَت في وجهِهِ الماءَ).

 

الجريدة الرسمية