رئيس التحرير
عصام كامل

لعنة روسيا.. ليلة سقوط سريلانكا بالضربة القاضية لـ«التضخم».. إيطاليا وإنجلترا وفرنسا على ردار السقوط في الجولة القادمة

التضخم
التضخم

تماما كما يبدو للعالم، ماحدث في سريلانكا ليس حلما بل واقع شديد السواد، في بضعة أسابيع انهار الاقتصاد بعد أن تفاقمت المشكلات التي عجز عن حلها الرئيس الهارب راجاباكسا، ولم تفلح الإصلاحات التي طلبها الخبراء، حيث انتهت الدولة إلى عجز خانق في الميزانية انعكس بدوره على إحداث تضخم مفرط، قابله انخفاض تاريخي في قيمة العملة، مع ارتفاع جنوني في الديون السيادية ما جعل الدولة غير قادرة على المواجهة.
 

أول ضحايا التضخم

وأصبحت سريلانكا أول دولة تقع ضحية للتضخم الذي يجتاح العالم منذ الحرب الروسية على أوكرانيا، وأثارت المخاوف من سقوط دول آخرى الواحدة تلو الأخري مثل ورق الدومينو، والمثير أن زحف تسونامى التضخم لم يعد قاصرا على الأسواق الناشئة بل امتدت تداعياته لدول أوروبية تتمتع باقتصادات قوية.


ودخلت العملية الروسية العسكرية فى أوكرانيا شهرها الخامس، إذ لم تكن الـ 150 يوما التى مرت على العالم مجرد ساعات وأيام وأسابيع عادية، بل كرة لهب مشتعلة تتدحرج من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب والعكس.

 

ارتفعت أسعار الطاقة وشحت المواد الغذائية، ما حرك غضب الشعوب، لدرجة أن دولة مثل بريطانيا أنهت مستقبل بوريس جونسون، وطالت الأزمة أيضا بنما والأرجنتين وغيرها من الدول اللاتينية، ودخلت حكومة إيطاليا فى أزمة، ولم تكن أسعد حظا من جيرانها فى أوروبا، كما دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدوران فى فلك دوامة اقتصاد لا يعرف الرحمة.

 

كانت المشكلة في سريلانكا أكبر من الجميع، تعرضت البلاد لأزمة اقتصادية صعبة جراء الحرب الأوكرانية، واكبها نقص حاد في المواد البترولية نتيجة نقص المعروض وارتفاع الأسعار، فاندلعت الاحتجاجات واشتعل الغضب الذي وصل القصر الرئاسي لينتهي الفوران بإجبار الرئيس السريلانكي على الاستقالة.

 

وتعاني الحكومة الإيطالية أيضا من أزمة كبيرة جراء موجات الجفاف التي تعرضت لها البلاد، ناهيك عن أزمة التضخم التي تعصف بها جراء ارتفاع أسعار الطاقة واقتراب فصل الشتاء مع نقص الإمدادات الروسية إلى أوروبا من النفط، الأمر الذي دفع برئيس الوزراء ماريو دراجي لتقديم استقالته، ولكن رفضها الرئيس مؤخرا.


الروبل واليوان في مواجهة الدولار

وفي هذا السياق، قال خبير الطاقة الدكتور جمال القليوبي، إن أزمة التضخم التي يشهدها العالم الآن هي تراكمات لعدة عوامل كانت بدايتها مع أزمة كورونا والانكماش الذي تعرضت له الاقتصادات العالمية بسبب سياسات الإغلاق التي اتبعتها الدول لمواجهة الجائحة، مضيفا أنه كان من المفترض أن يبدأ الاقتصاد العالمي في التعافي من تأثيرات أزمة كورونا ويستعيد قوته.

 

وأضاف: لكن جاءت الحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة إلي انخفاض المعروض من المواد البترولية ضمن اتفاقية أوبك بلاس التي تتزعمها روسيا والمملكة العربية السعودية، مما أدى إلى ارتفاع جنوني في اسعار الطاقة عالميا، ناهيك عن العقوبات التي فرضتها دول الغرب على موسكو مما تسبب في اتخاذها إجراء مماثل بتقليل إمداداتها النفطية إلى دول أوروبا والذي نتج عنه ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم في هذه الدول بشكل جنوني.

 

وأوضح جمال القليوبي أن الفترة القادمة ستشهد ظهور عملات جديدة تنافس الدولار بشكل قوي، وهي الروبل الروسي واليوان الصيني والين الياباني، وأكد أن نتيجة تلك الأزمات وما يترتب عليها من تغييرات فى الخريطة الاقتصادية، فإن دول مجموعة الـ٢٠ لن تصبح هي الوحيدة التي تمتلك أقوى اقتصادات في العالم، وستظهر دول جديدة خصوصا الخليجية، متوقعا أن الانفراجة في أزمة التضخم التي يشهدها العالم لن تأتى قبل عام ٢٠٢٥ بعدها يبدأ الاقتصاد العالمي في التعافي من تأثيرات الأزمات التي مر بها.


أمريكا عاجزة أمام أزمة الطاقة

ونوه القليوبي إلى أن سبب عجز أمريكا والغرب عن حل أزمة الطاقة التي عصفت باقتصادهم، هو التصريحات  العدوانية التي أطلقها قادة أمريكا بداية من ترامب إلى بايدن ضد الدول العربية، خاصة أن بايدن تسبب في اضطراب علاقات واشنطن مع السعودية ودول الخليج لهذا لم يقم أي منهم بأي زيارة لمدة تزيد عن عام ونصف، الأمر الذي جعل هناك تقارب روسي سعودي وهما أكبر منتجي النفط على مستوى العالم  وظهر ذلك في الالتزام باتفاق أوبك بلس، مما جعل الغرب عاجزا على تخطي هذه الأزمة.

 

وفيما يتعلق بقدرة الرئيس الأمريكى جو بايدن على إقناع السعودية ودول الخليج فى رفع الإنتاج، يرى الخبير الدولى فى مجال الطاقة، أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج لن تنصاع لتلك المطالب، وبرز ذلك جليا قبل مغادرة بايدن لمدينة جدة السعودية، بعدما قررت الرياض التزامها باتفاق أوبك بلس مع روسيا.


تراكمات المشاكل

من جانبه قال السفير أشرف عقل مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن ما تشهده الحكومات في الدول الأوروبية وسريلانكا والأرجنتين هي تراكمات لمشاكل سابقة عجلت الحرب الروسية الأوكرانية بظهورها.

 

أوضح عقل أن استقالة حكومة بوريس جونسون ناتج عن الإدارة غير الحكيمة بالإضافة إلى ظهور العديد من الفضائح والضغوطات الاقتصادية التي تواجهها البلاد من جراء موجة التضخم الناتجة عن الأزمة الأوكرانية ونقص الإمدادات النفطية الروسية إلى أوروبا.

 

وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يمر بأسوأ أزماته في تلك الفترة وعلى وجه الخصوص دول كألمانيا وإيطاليا، متوقعا انهيار حكومة المستشار الألماني أولاف شولتس، وعدد من الحكومات في الدول الأوروبية جراء تلك الأزمة الاقتصادية التي عصفت ببلادهم كالإعصار.

 

وتوقع السفير أشرف عقل تفكك الاتحاد الأوروبي قريبا إن لم يكن انهيارا كاملا، وذلك بسبب الأزمات الاقتصادية التي تواجهها الدول ذات الاقتصادات الكبرى في الاتحاد الأوروبي جراء الحرب الروسية الأوكرانية.


بوتين يستغل أزمة القمح

ونوه أشرف عقل إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية أفرزت نظاما عالميا جديدا متعدد الأقطاب روسيا والصين وأمريكا مستبعدا الاتحاد الأوروبي من تلك المنظومة، موضحا ذلك أن دول الاتحاد ستحتاج فترة طويلة لكي تلتئم بعد الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها.

 

وفيما يتعلق بأزمة الحبوب رأي «عقل» أن روسيا تستغل كل الأوراق التى تملكها ومن ضمنها ورقة القمح والتي تستخدمها  للضغط على أوروبا وأمريكا لإجبارهم على التراجع عن موقفهم الداعم لأوكرانيا والتخلي عن سياسة الناتو التوسعية في الدول المجاورة لموسكو.

 

أضاف: هناك العديد من الدول الفقيرة سواء في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا التي تعاني من أزمة الغذاء وارتفاع أسعار الطاقة، موضحا أن من بين هذه الدول اليمن لبنان وسوريا وعدد كبير من الدول الأفريقية.

 

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية