رئيس التحرير
عصام كامل

عندما يصبح القبح مهمة حكومية

اعتدت على الخروج إلى عملى في الساعات الأولى من الفجر قبل أن تطرح الفوضى نفسها على الطرقات، وقبل أن تحتل تلال القمامة جنبات الشوارع وفي الميادين، وقبل أن تصبح كلاكسات السيارات واحدة من المظاهر الاحتفالية بالنهار!! ورغم نضرة الصبح وارتفاع هامات الأشجار بحي المعادي يبقى الحال العام كما هو.. عاصمة سكنتها كل ألوان القبح والعشوائية والفوضى والإهمال.


على يمينى ذلك المبنى العبقرى للمحكمة الدستورية وقد أحاطه رصيف مهترئ، مهمل، تزينه الحفر ومشهد صحراوى قاحل دون نبتة أو شجيرة توحي إننا لازلنا نحفظ للجمال ولو قليل منه.. راعنى المنظر هذا الصبح.. ثلاث فازات جميلات ومصنوعات من الفخار الضخم وتزينها بعض قطع من بورسلين ملون في مشهد هو الأكثر ترويعا في الدنيا.

إنفاق على القبح


وسط هذا الكم الهائل من العشوائية قررت محافظة القاهرة وضع الفازات الثلاث مدعمات بثلاث أشجار صغيرات بالقياس لحجم الفازات.. ألوان مبهجة ومبهرة وسط ركام من القبح. لم أتصور بالطبع أن السيد محافظ القاهرة قد حن أخيرا إلى زرع الجمال على الأرصفة القبيحة وبلغة المؤامرة أدركت أن واحدا من الناس المهمة لديه مع الفازات بزنس!!


وقد هالني أن الفازات الثلاث النموذج تكرر وجودها في أكثر من مكان دون اختيار للموقع مثلا ودون مراعاة المحيط القبيح الذي يحيط بمواقعها ودون حتى دراسة الموقع. أستطيع أن أخبركم بمستقبل تلك الفازات التي تبدو غالية الثمن وأذكركم ونفسي ببعض الأرصفة في دولة من العالم الثالث وقد ألقوا على أرصفتها في كثير من الأحايين رخاما من النوع النادر ليس من أجل المواطن ولكن من أجل البزنس!!


لن تمضى على الفازات شهورا حتى تتحول إلي براميل قمامة.. لماذا؟ لأن الفازات والأشجار والنخيل غالى الثمن الذي تزرعه المحليات ليس من أجل الجمال وليس من أجل المواطن.. إنه البزنس الذي جعل رصيف المدن في بلادنا أكثر كلفة من أرصفة أوروبا.. إنفاق على القبح.

 


أعود إلى كوبرى المنيب والصباح الندي الذي يطل على جوارحى وأنا أمضى عليه في الفجر.. تحول بقدرة قادرة إلى مقهى بلدي، عربات الحمص والشاى والقهوة. تحول أسفلت الكوبرى إلى مستنقعات من مياه القهوة وتفل الشاي وكل صنوف وروائح العبث.. إن ما ننفقه على هذه الكبارى كان أولى بنا أن ننفقه على الناس ووعيهم وتعليمهم.. أن ننفقه على إنشاء محاكم لإعدام كل تجار القبح والعبث في بلادنا.

الجريدة الرسمية