رئيس التحرير
عصام كامل

بعد 30 عامًا على اغتياله.. مشاهد تسببت في قتل فرج فودة

فرج فودة
فرج فودة

كانت حياة الكاتب المصري الراحل فرج فودة، صاحب الحقيقة الغائبة، عبارة عن مشاهد، انطلق من رحمها مشهد النهاية الذي جاء في 8 يونية 1992، فلم يكن فرج فودة يعلم أن مواجهة الأفكار ستكون بالرصاص، وخاصة أن كلمة النهاية جاءت في حقبة سجلت بأنها حقبة الإرهاب على أرض مصر.

مشاهد أودت بحياة فرج فودة

أثارت كتابات فرج فودة جدلا واسعا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين والمنتمين للجماعات الإسلامية في مصر، واختلفت حولها الأراء وتضاربت، وبلغ الاختلاف على آراء فرج فودة حد العنف، ما أدى لاغتياله، فقد كان فودة يدعو لفصل الدين عن الدولة، ويرى أن تحكيم الشريعة يعتبر أمر رجعي لتغير الزمن والأحوال.  

أهتم فرج فودة بالكتابة عن الجماعات الجهادية، التي انتشرت في حقبة  التسعينيات من القرن الماضي، وخاصة أنه كتب "الحقيقة الغائبة" لنقد كتاب "الفريضة الغائبة"، الذي يُعد الأساس الفكري الأول لتنظيم الجهاد. من تأليف المهندس محمد عبد السلام فرج، الذي أعدم في 1982 م في قضية اغتيال السادات، حيث هاجم سعي الجماعات للعمليات الإرهابية، تحت اسم "الجهاد في سبيل الله والفريضة الغائبة"، وكتب عنها "الحقيقية الغائبة"، وهو الكتاب الذي ناقش فيه تطويع النصوص القرآنية، من أجل نشر فكر الجهاد، لاستغلالها في أهدافهم السياسية.

محاولات الاغتيال

تعرض فرج فودة لعدة محاولات لاغتياله ففى مارس ١٩٨٨، اصطدمت سيارة نقل ضخمة بسيارت فودة فور مغادرته لها، ودفعتها عدة أمتار لتصطدم بشجرة ضخمة وتتهشم تمامًا. وشهد بعض المواطنين الحادث، وقالوا إن الطريق كان خاليًا تمامًا أمام سائق سيارة النقل، ولم يكن هناك مبرر لأن يصطدم بسيارة فرج فودة. 

وبعد أسابيع قليلة من عام ١٩٨٨، وألقت الأجهزة الأمنية القبض على ثلاثة من الشباب كانوا يراقبون سيارة الكاتب الراحل عدة أيام، ووقعت مشادة كلامية بينهم وبين رجال الأمن، المتواجدين حول منزل فرج فودة آنذاك.

مناظرة قتلت فرج فودة

من أهم المشاهد التي ساهمت في وضع كلمة النهاية في حياة فرج فودة كانت مناظرة عُقدت في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1992، بين فودة ونائب المرشد العام مأمون الهضيبي، وسط شغب من الجماعات المتطرفة، واعتبرها البعض المناظرة السبب الرئيسى في صدور فتوى اغتيال فرج فودة، والتى ربط بين العمليات الإرهابية واستقلال بعض الإمارات الإسلامية في عهد السادات، وبين تغول التيار الدينى النابع من جماعة الإخوان المسلمين، ومحاولة تمكين الفكر الدينى لمحو ثقافة المجتمع المصرى.


في المناظرة ذاتها، كان الجدل محتدما، وبلغ تبادل الاتهامات ذروته، ووفق الفيديو المُوثِق لها. بدأت المناظرة بكلمة للشيخ الغزالي ذكر فيها أهمية الحفاظ على الهوية الإسلامية وتبعه المستشار الهضيبي المتحدث باسم الإخوان الذي ركز على أهمية أن يكون الجدل والنقاش بين "الدولة الإسلامية" و"الدولة اللاإسلامية"، مؤكدًا "أن الإسلام دين ودولة وليس دينا فقط"؛ وخلال هذه الكلمات كانت الصيحات تتعالى والصرخات، لتخيف كل من يعترض على أحاديث الغزالي والهضيبي.
ورد فرج فودة على ما دار في حديث الهضيبي، فقال "الإسلاميون منشغلون بتغيير الحكم أو الوصول إليه دون أن يعدوا أنفسهم لذلك"، مستشهدًا بتجارب لدول دينية مجاورة على رأسها إيران قائلًا: "إذا كانت هذه هي البدايات، فبئس الخواتيم"، ووجه حديثه للجميع قائلًا "الفضل للدولة المدنية أنها سمحت لكم أن تناظرونا هنا، ثم تخرجون ورؤوسكم فوق أعناقكم؛ لكن دولا دينية قطعت أعناق من يعارضونها".


واستمر فوده في حديثه في الناظرة فقال: "لا أحد يختلف على الإسلام الدين، ولكن المناظرة اليوم حول الدولة الدينية، وبين الإسلام الدين والإسلام الدولة، رؤية واجتهادًا وفقهًا، الإسلام الدين في أعلى عليين، أما الدولة فهي كيان سياسي وكيان اقتصادي واجتماعي يلزمه برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم". لينهي كلمته بالدعوة إلى الله أن يهتدي الجميع بهدي الإسلام، وأن يضعوه في مكانه العزيز، بعيدا عن الاختلاف والمطامع".

مشهد نهاية حياة فرج فودة

جاء مشهد النهاية صادمًا وقاسيًا، ففي يوم 8 يونيو في 8 يونيو 1992، كان فرج فودة يهم بالخروج من مكتبه بشارع "أسما فهمي" في مدينة نصر، بصحبة ابنه الأصغر وصديقه وحيد رأفت، وكانت الساعة السادسة و45 دقيقة، جاء رجلان ينتميان للجماعة الإسلامية، ويركبان دراجة بخارية، قام أحدهما بإطلاق الرصاص من بندقية آلية على فرج فودة، ليسقط صريعًا في الحال، بينما أصيب ابنه أحمد بثمانى رصاصات ونجا من الموت بأعجوبة، بعد استئصال نصف أمعائه، بحسب رواية ابنة فرج فودة سمر عام 1997، كما أصيب وحيد رأفت إصابات طفيفة. 
جاء التقرير الطبي لوفاة فرج فودة يؤكد على إصابته إصابات بالغة في الكبد والأمعاء، وظل بعدها الأطباء يحاولون طوال ست ساعات لإنقاذه إلي أن لفظ أنفاسه الأخيرة، ونجح سائق فرج فودة وأمين شرطة متواجد بالمكان في القبض علي الجناة، والكشف عن هويتهم.

وجاء اغتيال فرج فودة بعد فتوي من شيوخ جماعة الجهاد، علي رأسهم الشيخ عمر عبد الرحمن، وفي شهادة الشيخ محمد الغزالي في أثناء محاكمة القاتل وصف الغزالي فودة "بالمرتد"، قائلًا "إنه، أي فرج فودة،  مرتد وجب قتله"، كما أفتى بجواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها، وإن كان هذا افتئاتًا على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة، وهذا يعني أنه لا يجوز قتل من قتل فرج فودة حسب تعبير الغزالي.
 

الجريدة الرسمية