رئيس التحرير
عصام كامل

إنها القلوبُ يا علىُّ

قلوبٌ على البُعدِ نعشقُها، وأخرى على القرب نكرهُها. قلوبٌ أوطانٌ، وأخرى أكفانٌ. قلوبٌ حياةٌ، وأخرى قبورٌ. قلوبٌ جناتُ النعيم، وأخرى جهنمُ وبئسَ المصيرُ. قلوبٌ تتوطنُها السَّكينةُ، وأخرى يسكنُها الشرُّ المُستطيرُ. قلوبٌ تنيرُها مصابيحُ الرحمة، وأخرى تُضيئها مشاعلُ الحقدِ. هذا وذاك ضِدَّانِ مُتنافرانِ، لا يستويان مثلًا. 


تبتسمُ الأقدارُ أحيانًا فتجمعُنا بقلوبٍ دافئةٍ مُحبةٍ رحيمةٍ، لتشعرُنا كأننا ملكنا الدُّنيا بحذافيرها، وأحيانًا أخرى تبتلينا بقلوب باليةٍ كارهةٍ غليلةٍ، وحينئذٍ.. ندركُ أننا وقعنا فى الفخ، ودخلنا طوعًا أو كرهًا نفقًا مُظلمًا وسردابًا لا نهاية له، وسقطنا فى قاع الجحيم سقوطًا بلا عودة. العودةُ في مثل هذه الحالاتِ تكون أدنى كلفة وعبئًا من استكمال المشوار.

مضغة واحدة


وكما أنَّ القلبَ هو مركزُ حياة الإنسان، فإنه هو أيضًا مصدرُ المشاعرِ والروحِ. القرآنُ الكريمُ يقول:"إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"، وفي ذلك دلالةٌ على صدقِ إيمان الإنسانِ ونقاءِ روحه، وتعلقهِ بالله عز وجل. والقلبُ عندما يمرضُ فإنه يكون موطنَا للغلَّ والحسد والبغضاء والفتنة، كما ذكر القرآنُ الكريمُ: "لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ"، وبأضدادِها تعرفُ القلوبُ، كما تُعرفُ الأشياءُ.


إنما هى مُضغةٌ واحدةٌ، إنْ صلُحتْ صلحَ الجسدُ كلُّه، وإنْ فسدتْ فسدَ الجسدُ كله، ولكن سبحانَ مُقلبِ القلوبِ ومُدركِ لوغاريتماتها والعالم بشفراتها المُعقدة، ومن يضعُ الخير فى قلبٍ، وينزعُه من آخرَ. القلبُ للإنسان أشبهُ بالصندوق الأسود للطائرات، يحملُ أدقَّ التفاصيل والأسرار، قد يقضى صاحبُ القلبُ نحبَه، ولا يعرفُ بشرٌ ما يُخفيه قلبُه من خير أو شرّ. 


لقد خُلقَ البعض ماكرًا ومُخادعًا بطبعه، فما أكثر من أوهمونا بأنهم ذوو قلوب طيبة، ولكنَّ تلك القلوبَ لم تكنْ تحملُ إلا قُبحًا وصديدًا، علمُ ذلك عند ربى، عالمُ الغيبِ، فلا يُظهرُ على غيبه أحدًا. لولا القلوبُ الشريرة، وما أكثرَها، ما عصى إبليسُ الأمرَ الإلهىَّ بالسجود لـ آدم، وما تقاتلَ ولدا آدم، ودفنَ أحدُهما الآخرَ من أجل امرأة، وما سكنَ الشرُّ فى الأرض واستقرَّ، وما ظهرتْ الجريمة وتعددتْ صورُها وأشكالها، وما تحققتْ نبوءة إبليسَ فى البشر حتى يقومَ الناسُ لربِّ العالمين، وما صار إبليسُ قدوةً حَسنةً لقوى الشر وصانعيه وحُماته. 

 


ولولا القلوبُ الخيِّرةُ –على قلتها- ما وجدنا مقاومة للشر وممانعة لفرض جبروته وسيطرته المطلقة. لا رضى اللهُ عن القاسيةِ قلوبُهم، العفنة صدورُهم، الخربة ضمائرُهم، الذين يملأون الدنيا ظلمًا وجورًا وحقدًا وكراهيةً ونفورًا. وسلامًا على مَن جعلوا قلوبهم واحةً للسلام، وصدورهم ساحة للحب، وضمائرهم موازين للعدل. إنها "القلوبُ يا عليُّ، إذا صفتْ رأتْ بنور اللهِ"، أما إذا أظلمتْ فإنها تملأ الكون ظلمًا وإظلامًا وتجعل الكونَ الواسعِ الرَّحب مثل: "سَمِّ الخياط"، وتجعلُ الأرضَ الرحبة الواسعة تضيقُ بأهلها.

الجريدة الرسمية