رئيس التحرير
عصام كامل

قراءات في معجزة الإسراء والمعراج (2)

للوحي الإلهي مظاهر متعددة منها وحي التشريع، وهو الوحي المتعلق بالرسالات والشرائع السماوية  المنزلة من الله تعالى، ومعلوم أن هذا الوحي كان بواسطة الأمين جبريل عليه السلام أمين الوحي الإلهي، حيث أنه رسول من الله لأنبيائه ورسله عليهم السلام. هذا وقد توقف هذا الوحي بعد تمام الرسالة الخاتمة للرسالات السماوية وهي رسالة الإسلام فلا وحي تشريع بعد ذلك. يقول تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).. 

 

وهناك وحي من الله تعالى يسمى بوحي التكليم، وخص الله تعالى به سيدنا موسى وبعض الأنبياء وهو الذي أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا).وقوله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ). وهناك مظهر آخر من مظاهر الوحي الإلهي، يسمى بوحي الإلهام، وهو ما يلقيه عز وجل للموحى إليه إلهاما، أي يلهمه إياه، ومنه ما أوحاه سبحانه إلى أم موسى عليهما السلام  المشار إليه بقوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ). 

 

و من ذلك الوحي ما أوحاه عز وجل إلى النحل الذي جاء في قوله تعالى (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ). ومن ذلك الوحي ما أوحاه سبحانه وتعالى إلى السموات السبع المشار إليه في قوله تعالى  (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ).

 

مظاهر الوحي الإلهي

 

ومن مظاهر هذا الوحي أيضا ما أوحاه عز وجل إلى الملائكة عليهم السلام وهو المشار إليه في قوله سبحانه (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)). وهذا المظهر من الوحي دائم ولا ولن ينقطع مادامت الدنيا قائمة ومادام عباد الله الصالحين موجودين في الأرض. وفي الحديث يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله: (إن من أمتي لملهمين. وفي رواية "لمحدثين" وإن عمر إبن الخطاب لمنهم)..

 

هذا وهناك مظهر آخر من مظاهر الوحي الإلهي وهو (الوحي الرؤيا المنامية). وهو ما يراه العبد الصالح في منامه أو يراه أحد له وهو من المبشرات الممتدة من مشكاة أنوار النبوة كما أخبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله بقوله (لا نبوة بعدي وبقى لأمتي المبشرات). فسأله أحد الصحابة رضي الله عنهم. وما المبشرات؟ قال: (الرؤيا الصادقة وفي رواية الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وهي جزء من أربعين جزءا من النبوة.وفي رواية جزء من ست وأربعين جزءا من النبوة). 

 

ومن مظاهر ذلك الوحي الإلهي. رؤيا سيدنا يوسف عليه السلام بسجود الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا له ساجدين..  ورؤية سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام والتي أمر فيها بذبح ولده سيدنا إسماعيل عليه السلام والتي أخبرنا الله تعالى عنها بقول سبحانه  فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).. وهذا المظهر من الوحي الإلهي دائم لا ينقطع وهو من المبشرات والعطاءات الربانية لعباده الصالحين.. 

 

هذا وهناك مظهر خاص من مظاهر الوحي الإلهي خص الله تعالى به نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وتفرد به وهو ( الوحي الإلهي المباشر) وهو وحي من الله عز وجل دون واسطة الأمين جبريل عليه السلام وهو وحى إرتقى فوق كل مظاهر الوحي الإلهي وهو الوحي المباشر من الله تعالى مباشرة إلى الرسول الكريم  كما ذكرنا وهو ما كان عند اللقاء. لقاء سيد المرسلين وخير خلقه أجمعين في ليلة الإسراء والمعراج برب العالمين سبحانه وتعالى والمشار إليه بقوله تعالى في سورة النجم:

 

 

(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى). عزيزي القارئ كانت هذه إحدى القراءات في رحلة الإسراء والمعراج ونلتقي بمشيئة الله تعالى مع قراءة أخرى في المقال التالي..

الجريدة الرسمية