رئيس التحرير
عصام كامل

السويد تدفع ثمن إيواء الإسلاميين.. تحذيرات من الانتشار.. ودعوات للتحول للنموذج الفرنسي

جماعات اسلامية متشددة
جماعات اسلامية متشددة - صورة ارشيفية

منذ سنوات طويلة ومراكز الأبحاث والخبراء فى شئون الجماعات الإسلامية يحذرون البلدان الغربية من التشدد فى التقاليد والأعراف الديمقراطية والتفريق الأعمى بين الشأن العام والخاص، ولا تدخل مطلقا فى العقائد والأديان، ما يطلق الحبل على الغارب لكل فرد أو جماعة دينية فى استخدام حرية التعبير على أسوأ ما يكون، واحتلال البلاد على المدى البعيد من أعداء الحرية بمختلف ألوانهم وأشكالهم.

السويد
من هذه البلدان التى وقعت فى فخ الأسلمة السويد، التى عرُفت على مدار سنوات طويلة، وحتى وقت قريب بأنها أفضل مجتمع مفتوح على وجه الأرض، وأهم بيئة ممهدة للمهاجرين من جميع أنحاء العالم، تحقق لهم أحلامهم دون أي معوقات، وتحميهم قوانين ديمقراطية مدنية صارمة تتشدد فى الحقوق الإنسانية دون تفرقة بسبب جنس أو عرق أو دين.


لكن كما جرت العادة، تستغل التيارات الدينية الحرية أسوأ استغلال، ومجرد إحساسها بعدم المراقبة تبدأ فى إحكام قبضتها على المجتمع، وهو ما حدث بالفعل فى السويد.


زادت هجرة الإسلاميين إلى هذه البلاد منذ سبعينيات القرن الماضى، وتسارعت عملية توطين الجماعات العابرة للحدود ونسج الشبكات العنقودية بتشجيع من اليسار الذى يعلى من قواعد الأخلاق والتسامح والإنسانية والازدهار للجميع دون قيد أو شرط.


استغل الإسلاميون الحياة المادية الخالية من الروحانيات فى السويد، فلا مكان لتسيد العقائد فى العلن بهذه الثقافة، بل الحرية بكل درجاتها، وأعلى سقف لها عرفته الإنسانية بما فيها الحرية الدينية، وهنا تبدأ التيارات الدينية فى البحث عن مواطن الخلل وزرع أنيابها.


استغل الإسلاميون الحرية فى هدم مبادئ العلمانية الراسخة فى المجتمع، وتشفيرها وشيطنتها، وتلميع ثقافة الموت أمام السكان، واستدعاء الآخرة والزج بها فى النقاشات العامة.


ضغط الإسلاميون بكل قوة لإيقاف نزعة الحرية وفرضوا رؤيتهم الدينية تحت ستار جرائم التمييز، ونجحوا عام 2017 بالدعاوى القضائية المتتالية فى فرض رقابة غير مسبوقة فى البلاد على مسلسل تلفزيونى شهير بدعوى إساءته إلى اللاجئين والمهاجرين.


تحت ضغط متواصل منهم وضع التليفزيون السويدى قائمة بالمصطلحات غير المرغوب فيها، بسبب البلاغات المستمرة ضدها، وتوسعت الرقابة بشكل غير مسبوق فى الحياة السويدية.


أصبح مقص الرقيب الاشتراكى يتعامل بعقلية دينية مؤذية للإبداع، فكل كلمة لا تعجب الإسلاميين أو تتصادم مع قناعاتهم يجب أن تفسر بأسوأ معنى ممكن، ثم تتحرك البلاغات سريعا داخل مجتمع يتحسس بشدة من إهانة أي إنسان بأى شكل كان.

خطر التيارات الدينية
لكن مع الوقت أصبح المجتمع السويدى يستشعر خطورة فتح الباب للتيارات الدينية ومنحها الفرصة للتخفى بداخله، أدرك أن مثل هذه الأفكار خطر شنيع على العالم الحديث وليس السويد فقط، ولاسيما بعد أن تراجعت مستويات الرضا بين المواطنين من أصول سويدية عن الحريات المتاحة فى المجتمع.
الكل يشتكى الآن من التضييقات التى تفرض كل يوم بسبب توسع الإسلاميين فى الشعور بالأذى، ما فرض نمط من التعصب على الشخصية السويدية وهى لحظة أصبح ما بعدها يؤرق الكثيرين.


للإفلات من هذا المصير، توسع على مدار الأشهر الماضية العديد من المثقفين السويدين فى الحذر من اللامبالاة الدينية التى تتعامل بها مؤسسات الدولة تجاه الإسلاميين رغم تزايد نفوذها بشكل كبير، ما يمكنهم من التحكم فى نمط الحياة العامة والخاصة.


فى الوقت نفسه تقتصر مشاركتهم فى المجتمع على الشكوى من الأذى والشكوى حال تناقص مرتبات الرعاية الاجتماعية، لكن لا إفادة على الإطلاق إلا الاهتمام بضرب أساسات الهوية وتشكيل أخرى على مقاسهم.


يتخوف المثقفون السويديون من تلاشى دولة الرفاة التى كانت تجذب آلاف المهاجرين سنويا من كل أنحاء العالم، للقدوم إلى مجتمع المهاجرين، المتخم بفرص الترقى فى الحياة، بعد أن تسبب الإسلاميون فى خلق ثقافة غريبة عن التسامح، والتسويق لدين غاضب يأمر بقتل الكافر، ولا يطيق المخالف ولا يعرف إلا العيش فى نمط واحد يفرض على الجميع سواء كانوا على اقتناع به أم لا.
زاد من نزعة الخوف، تردد الدولة فى مواجهة التطرف الدينى، وتخوفها من تأثير أي تضييق على الحريات الدينية على تراجع الديمقراطية فى البلاد كما حدث فى بلدان أوروبية عديدة لنفس السبب.


لكن الخوف المتزايد من إعادة البلاد للعصور الوسطى، والحكم بالحلال والحرام وليس القانون حسب قناعات الجماعة أو الشخص الذى يريد فرض أفكاره على المجتمع يدفع بالبلاد إلى طريق العلمانية الصلبة المتشددة ضد المخالف لقيم المجتمع.


بحسب مراقبين، أكثر ما يعبر عن تسرب الخوف للحكومة السويدية، التقارير التى بدأت فى نشرها منذ عام 2016 عن المناطق شديدة الخطورة التى تتشكل بسرعة البرق فى البلاد، بسبب التطبيق المفتوح للشريعة بمعزل عن قانون الدولة، والتى ارتفع عددها إلى 62 منطقة فى النصف الأول من عام 2017 من أصل 55 منطقة تم تسجيلها فى ديسمبر 2016.

النموذج الفرنسي
هذه الاضطرابات سجلها يوهان باتريك، أحد أهم الخبراء فى شئون الإسلام السياسى، والصحفى المتخصص فى رصد المناطق المضطربة، وأكد أن لجنة أمن الهجرة التابعة للاتحاد الأوروبى أصبحت تحذرت السويد بشكل متكرر وعلى فترات متقاربة من خطورة الأوضاع الأمنية حال تزايد تجمعات الإسلاميين ونفوذهم الدينى فى البلاد.


يوضح باتريك أن هناك تخوفا عاما من أن تكون هذه نهاية السويد، البلد المنظم اللائق للجميع، والحريص على المساواة التى ولدوا على أعرافها وضوابطها، مردفا: لن أتفاجأ إذا اندلع صراع على شكل حرب أهلية فى بعض أجزاء من البلاد بسبب تضارب الثقافات وتسيد ثقافة العنف التى تتقنها التيارات الدينية.


يرى يوهان أن التخوف الكبير فى الأوساط البحثية والسياسية من التغيير المحتمل فى الروح التاريخية للبلاد جعل هناك شبه قناعة بأن السويد ستتحول فى وقت قريب إلى اعتماد النموذج الفرنسى فى التشدد العلمانى، باعتباره الخيار الأخير الأكثر ضمانا لصيانة هوية الدولة من عبث الإسلاميين.


أحد الذين يرعبهم التوغل الدينى للتيارات الإسلامية فى السويد أيضا ماغنوس رانستورب، الأستاذ والباحث فى الإرهاب والتطرف الدينى بكلية الدفاع الوطنى السويدية الذى أكد فى مقابلة منذ أيام للتلفزيون السويدى، أن التطرف الدينى وصل العاصمة السويدية بعد أن قسمت التيارات نفسها على المجتمع، وزرعوا ممثلين لهم فى كل أنحاء البلاد.


يلفت رانستورب إلى أن الشعور بالعدالة والسلام مع هذه التوغلات الدينية المتطرفة يتهدد كل يوم بسبب الاستمرار فى السماح لتيارات تكفيرية باللجوء وممارسة أنشطتها بأريحية من داخل الأراضى السويدية ضد بلدانها الأم.


يطرح الباحث سيناريوهات مخيفة عن تجمد قدرة الشرطة فى وقت ما على تحمل مسئولية أي مواجهة قد تندلع فى أي لحظة مع الإسلاميين، سواء لمنع بؤر العنف من الانفراد بالمجتمع، أو لحسم أي صراع قد يتفجر من التناحر حول القيم، مما يترك السويد فى وضع بائس للغاية.


يكشف الباحث أرقاما مخيفة عن الاعتداءات على النساء بالمخالفة للقانون السويدى والتى بلغت 42 حالة العام الماضى داخل بؤر الإسلاميين وحدها، وهو رقم كبير وغير مسبوق بمعدلات بلد يتشدد فى المساواة والتسامح على جميع المستويات.


لكن امتناع النساء عن الشكوى للسلطات والاكتفاء بالتصريح للاستبيانات واستطلاعات الرأى بعد التأكد من عدم الكشف عن الهوية، يسرع من تمكين الجماعات الدينية فى فرض أعرافها وقوانينها الدينية، ومنع الدولة من التدخل لصالح النساء وهو مؤشر خطير وكارثى لمستقبل الدولة بحسب رانستوب.


يحذر الباحث من عدم التصرف بمسئولية تجاه تزايد أرقام العنف، والسيطرة على نزعة التشدد بالمجتمع قبل أن ينهار كليا وتصبح الديمقراطية الاجتماعية السويدية على مقاس اللحية والبرقع والفتاوى المتزايدة عن تحريم تهنئة الكفار والانعزال فى تجمعات صغيرة حتى اللحظة التى ستمكن الإسلاميين من كسر المؤسسات القائمة وإقامة دولة دينية على تركة الدولة التى كانت يوما ما جنة الله على الأرض لجميع البشر بصرف النظر عن العرق أو الدين أو الفكر.

 

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية