رئيس التحرير
عصام كامل

تصنيف مصر.. القاهرة في المركز 132 بمؤشر السعادة.. وخبراء: اختفاء الطبقة المتوسطة وراء "نكد المصريين"

ترتيب مصر في مؤشر
ترتيب مصر في مؤشر السعادة عالميًّا

فى شهر مارس من العام الماضى، خرج المركز المصرى للدراسات الاقتصادية بإصدار له يشير إلى الترتيب الدولى لمصر فى كافة القطاعات الاقتصادية والسياحية والثقافية وغير ذلك، كان من بينها مؤشر السعادة فى مصر والذى وضع مصر فى ترتيب متأخر، حيث احتلت مصر الترتيب 132 فى مؤشر السعادة ضمن 149 دولة، مما يعنى أن مصر تتأخر بصورة لافتة فى ذلك المؤشر، بعد أن كان المواطن المصري هو المواطن "ابن النكتة" بات من أكثر المواطنين تعاسةً وبحثًا عن قيم السعادة الضائعة.


وهذا المؤشر تقف خلفه العديد من الأسباب والأبعاد النفسية والاجتماعية المختلفة التى تشابكت فيما بينها لتخرج إلينا بهذه النتيجة، وهى أن مصر لم تعد "سعيدة "، وفى هذا الشأن تحدث علماء نفس وخبراء اجتماعيون عن الأسباب التى جعلت مصر تحتل هذا المركز المتأخر فى مؤشر السعادة، وكيف ضاعت البوصلة التى كان يهتدى بها الإنسان المصرى قبل 50 سنة نحو سعادته وتحقيق البهجة بأقل الإمكانات.


الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، أكدت على أن حالة السعادة التى يعيشها أي شخص ما هى إلا حالة نفسية من المفترض أن تسود فى كل مجتمع، ولكنها لا ترتبط بالأوضاع المادية الخاصة به، ولكنها ترتبط بشعور الناس بالأمل فى المستقبل، وقد أسندت أستاذ علم الاجتماع خلال حديثها لـ«فيتو» هذا الأمر إلى مقولة لرفاعة الطهطاوى قالها قبل 200 عام، وهى: "كانت مصر دائمًا مهيأة للسعادة بحكمة حاكمها وجهد أهلها"، فإذا كان أي مجتمع يعلم أفراده جيدًا إلى أين سيذهبون وأين يقف مستقبلهم مع حكمة الحاكم تسود السعادة به، مشيرة إلى أن مصر مرت بفترة صعبة منذ 50 عامًا حتى الآن، مشددة على أن حالة التعاسة التى يعيشها المواطن الآن ليست نتيجة شيء وقع فى وقت قريب لكنه وقع منذ نحو 50 عاما ومستمر حتى اليوم.

 

الأسباب

وتابعت الدكتورة هدى زكريا قائلة: "فمنذ 50 عامًا بدأ الفن يكشف لنا التدهور فى اتجاه المواطن المصرى نحو الحزن والكآبة، بدأ هذا الأمر بعد أن عزف الجيل فى تلك الفترة وحتى اليوم عن صناعة البهجة والسعادة، فالجيل القديم كان يشعر بالبهجة والسعادة حتى لو كان فقيرا؛ نحن لم نكن أغنياء ولكننا كنا نجيد فن صناعة السعادة، كنا ننتج السعادة والناس تشعر بالقدرة على إنتاج السعادة ولكن الآن هناك استهلاك للسعادة، نطلب أن تأتي لنا السعادة ونحن فى مكاننا هذا لم يكن متواجدا فى السابق. حالة البهجة وإنتاجها كانت حالة اجتماعية عامة وأى تجمع إنسانى كان تجمعًا سعيدًا".


وأرجعت هدى هذا الأمر إلى التحول التدريجى للمواطن المصرى الذى بدأ يفقد شعوره بالأمل تدريجيا، وأصبحت الأشياء ذات القيمة العالية تفقد قيمتها، قائلة: فالقيم الأخلاقية كنا نحولها لقيم اجتماعية لكن الآن أصبح كل شيء تحت شعار (اخطف وفِر) ففقد المجتمع قيمًا كثيرة كان يعيش عليها، ومنها من جد وجد والصبر طيب وغيرها من المصطلحات، وبات كل شخص يريد أن يحصل على كل شيء بدون صبر أو اجتهاد أو تأنٍّ، ولم يكن الكفاح وحده هو ما يحقق النجاح للشخص.


وعوَّلت أستاذ علم الاجتماع على الانفتاح الاقتصادى الذى حدث فى السبعينيات؛ حيث كان له العامل أيضًا لما وصل إليه مجتمعنا حتى هذه اللحظة، فقد شددت على أن هذا الانفتاح قد بدأ اقتصاديا وانتهى أخلاقيا واجتماعيا، وبدأنا نرى منظومة القيم التى كنا نبنى عليها السعادة تنهار، وبدأت الكآبة تتسرب إلى نفس المكافحين والكثير من المواطنين، وانقلبت وأشعرت الناس أن كل ما كانت الأجيال القادمة تتربى عليه ينهار ويتفكك، ففقد المواطن بوصلته نحو السعادة.


الفكر الوهابى عدو السعادة

فى حديثها عن أسباب غياب قيم البهجة والسعادة لدى المواطن المصرى، شددت أستاذ علم الاجتماع على أن الطبقة المتوسطة فى مصر كانت هى سر سعادة المجتمع؛ لأنها كانت تصدر السعادة للفقراء ومتوسطي التعليم أو حتى غير المتعلمين، ولكن بعد أن ساد فكر متطرف لفترة من الوقت على المجتمع المصرى، وصعد على المنابر ناس يضربون السعادة والفن الرفيع من على المنابر المقدسة وأصبحت الجماعات المتطرفة وبعد سيادة الفكر الوهابى المتشدد والمتطرف فى مصر فى نهاية الثمانينيات، مشبهة هذا الفكر بأنه مبعوث التعاسة، وتفكيك الضمير الجمعى وسيادة الفكر المتطرف الذى يتنافى تماما مع معايير ومفهوم السعادة الحقيقية.


وهذا ما أكدت عليه أيضا الدكتورة إيمان سرور، استشارى الطب النفسى، التى أشارت إلى أنه عقب هجرة الكثير من المصريين قبل أكثر من 40 عامًا إلى دول الخليج وعودة بعضهم محملين بالفكر الوهابى الذى كان حينها غريبا أو دخيلا على المجتمع المصرى الذى كان يُعرف بالوسطية، وبأنه يتأقلم مع كل ثقافة، وما يعرف بالثقافة المجمعة؛ فالمصرى كان يبحث دائما عما يريحه ويسعده ويبث البهجة إلى نفسه، أصبحت هناك ثقافة جديدة دخيلة عليه أصابته بالتشتت والتخبط والابتعاد عن البساطة التى كان يعيش بها كل مصرى سواء غنى أو فقير، وفقا لرأيها، حيث قالت: "فقد المصريون البوصلة التى يمكنهم من خلالها صناعة السعادة وهذا أثر على حالة المواطن النفسية وأصبح متلخبط ولا يمكن نفسيا وسلوكيا لأى شخص أن يكون سعيدا وهو متخبط"!

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية