رئيس التحرير
عصام كامل

ماكرون يواجه مزيج ميركل وتاتشر

اطمأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال الأسابيع الماضية إلى فوزه بولاية ثانية، في ظل عدم وجود مفاجآت بين منافسيه، الذين انحصروا في اليميني المتطرف صاحب الشخصية المنفرة إريك زامور، اليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون عن حزب "فرنسا الأبية"، وهو سياسي وصحفي سابق، لكن أمله ضعيف حتى انه تعرض الفترة الماضية للرشق بالطحين من أحد المتظاهرين، وهناك المرشحة الدائمة دون فوز مارين لوبان رئيسة "التجمع الوطني" اليميني المتطرف..

 

لكن فجأة حدث اختراق حرك مياه انتخابات الرئاسة وأشعل المنافسة مع إعلان حزب "الجمهوريون" المحافظ عن مرشحته فاليري بيكريس، أول امرأة تترشح لرئاسة فرنسا عن الحزب، الذي هيمن عليه الرجال منذ شارل ديغول، ثم جورج بومبيدو، جاك شيراك، ونيكولاس ساركوزي، واعتبرها الحزب "أمل فرنسا" في التغيير، لأن لديها مسيرة ناجحة وخبرة سياسية نحو ربع قرن تقلدت خلالها مناصب عدة باقتدار، وتتمتع بثقة في قدراتها وصديقة المثقفين، كما درست في أهم ثلاث جامعات فرنسية.

 

فاليري وماكرون

 

تعتبر فاليري، الخطر الحقيقي الذي سيواجهه ماكرون في الانتخابات، وهو الذي يسعى لولاية ثانية حتى لا يكون مثل سلفيه فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي اللذين حكم كل منهما لولاية واحدة فقط، وكان ماكرون مطمئنا أن طريق الولاية الثانية ممهدًا إلى أن أطلت فاليري، المرتكزة على مسيرة مهمة وناجحة، بدأتها في المراهقة حين انضمت إلى معسكر للشباب الشيوعي لتعلم اللغة الروسية نظرا لشغفها بالأدب الروسي، تفوقت بيكريس دراسيا ونالت البكالوريا في سن صغيرة والتحقت بالجامعة لدراسة التجارة وإدارة الأعمال، وبالتزامن درست اللغتين اليابانية والانجليزية وأتقنتهما إلى جانب الروسية.

 

في مستهل حياتها السياسية عملت مستشارة للرئيس جاك شيراك في قصر الإليزيه، وانتُخبت في مطلع الألفية عضوة الجمعية الوطنية الفرنسية عن إقليم الإيليفين، ثم عينت وزيرة للتعليم، وفي عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، أصبحت وزيرة للمالية وناطقة رسمية باسم الحكومة، واعتبر ساركوزي أنها مهووسة بتفاصيل الملفات التي تتولاها وتنجح فيها وهذه أهم نقاط قوتها، حيث تجيد إدارة أصغر الموازنات وأقلها بحنكة وكفاءة، كما انتُخبت في عهد الرئيس فرانسوا هولاند رئيسة لمجلس إيل دو فرانس، الذي يضم مناطق عدة بينها العاصمة باريس، وهي المنطقة الأكثر اكتظاظا بالسكان والأغنى أوروبيًا.

 

إنضمت فاليري، خلال مسيرتها السياسية إلى حزبين، ثم استقرت في حزب يمين الوسط "الجمهوريون" وريث الحركة الديغولية، وأنشات حركتها الخاصة في الحزب "لنكن أحرارًا"، ومن خلالها برزت كشخصية سياسية لامعة ومؤثرة تتمتع بمصداقية وحنكة ومقدرة على بلوغ الهدف، وهي قالت في خطاب إعلان ترشحها للرئاسة: "سنستعيد كبرياء فرنسا ونحمي الفرنسيين، أشعر بغضب الناس من تفشي العنف؛ وأن قيمهم ونمط حياتهم مهدد بسبب الهجرة المنفلتة".

 

سمات فاليري الشخصية

 

ورأت فاليري، أن "إحراز التقدم السياسي مرتبط بتحليل الناس دلالة الملابس والرسائل التي تحملها"، ولانها ارتدت خلال خطاب الترشح للرئاسة سترة حمراء، فقد اعتبر خبراء إنه لون القوة والعزيمة والروح القتالية.. تتسم المرشحة فاليري، بالجدية والحزم والحسم، وتثق في قدرتها على تحقيق اختراق رئاسي وتهديد مكانة ومستقبل ماكرون، ووعدت بالاهتمام بالملف الاقتصادي وتعزيز دور المرأة، كما اعتبرت نفسها "مزيج من ثلث رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر وثلثي المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل".

 

يعتمد برنامج فاليري الانتخابي على "رفع سن التقاعد إلى خمسة وستين عامًا، زيادة ساعات العمل الأسبوعي، لم الشمل العائلي وزيادة مخصَّصات الأطفال، بناء المزيد من المفاعلات النووية، ترحيل الأجانب ممن يمثلون تهديدًا للأمن العام، تقليص مخصَّصات التقاعد من أجل زيادة الرواتب وخفض الوظائف في القطاع الحكومي".

 

يرى مراقبون ان الرئيس ماكرون، هزم منافسيه في الولاية الأولى بشكل مفاجئ وهو شاب مجهول وموظف مصرفي ليس لديه قوة حزبية، لكنه استقطب الناخبين الراغبين في التغيير وفتت أصوات جميع الأحزاب، وبالتالي تستطيع فاليري، أن تحدث إختراقا بالنظر لخبرتها السياسية وتوليها حقائب حكومية مع قدرتها على التوازن بين الانفتاح والحفاظ على المبادئ والقيم الاجتماعية، وهي فعلت ذلك فعليا على المستوى الإقليمي في إيل دو فرانس، االذي يمثل صورة مصغرة لفرنسا.

 

حتى وقت قريب، كان يتوقع إجراء جولة الإعادة الرئاسية بين ماكرون ومارين لوبان، لكن دخول إريك زامور المنافسة من شأنه تقسيم أصوات اليمين المتطرف التي كانت تحصدها عادة مارين لوبان، ما يزيد فرص فاليري بيكريس، لإعادة حزب الجمهوريين إلى السلطة التي غاب عنها منذ تسع سنوات.

 

 

إخترق ماكرون الرئاسة، قبل خمس سنوات، كشخصية جديدة وفاز على الحرس القديم، ويمكن ل فاليري أن تحدث التغيير، وتصبح أول امرأة تدخل الإليزيه رئيسة لفرنسا وليس زوجة رئيس، خصوصا أنها ذات مصداقية وقادرة على تجديد وتغيير المشهد السياسي، الذي يتوق إليه الشارع الفرنسي مثلما حدث في بريطانيا مع مارغريت تاتشر، وفي ألمانيا مع أنجيلا ميركل.

الجريدة الرسمية