رئيس التحرير
عصام كامل

الحب سر الحياة

جاءتني رسالة من الأخت الفاضلة العارفة بالله تعالى الشيخة أمينة بيضون الشامية تحدثت فيها عن أسمى ما في الحياة بل هو سر الحياة ولا حياة بدونه ألا وهو الحب. الحب بمفهومه الصحيح السامي والمنزه عن الأغراض والعلل والخالي من الأهواء والشهوات وحظوظ النفس. والذي الأصل فيه محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله. 

وعبرت عنه بقولها؛ الحب هو حنين متجدد وشوق؛ مستمر وظمأ لا حدّ له ولا غاية لانه متجدد مع الأنفاس فالشوق لا نهاية له لأن أمر الله لا نهاية له. ولكل محب من هواه على قدر همّته أو على قدر موهبته قال الشبلي: (شربت انا والحلاج من كأس واحدة فصحوت وسَكِرَ فسلك كل منّا طريقًا). إشارة إلى فناء الحلاج بكليته في الله تعالى.

 

أيها الأحبة استمدوا أصول هذا الحب من نور القرآن الكريم فالقرآن لمن يتدبره هتاف حار بالمحبة الإلهية ودعوة صريحة إلى بذل كل طيبات الحياة في سبيل الفوز بمحبة الله. لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مناجاته لربه يسأله الحب ويسأله أن تكون قرّة عينه في الصلاة وهي أسمى مراتب الوصول للمحبة قال صلى الله عليه وسلم:(اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إليّ وخشيتك أخوف الأشياء عندي واقطع عني حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك وإذا أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم فأقرر عيني في عبادتك).

 

الحب والمودة

 

وأعظم مرتبة تسمو بها مرتبة الحب الإلهي هي: يخلو المحب إلى ربه في محاريبه ويسمر بطاعته ويضيء ليله بنور وجهه ويقطع نهاره بجميل ذكره ثم تأتي النشوة الكبرى بالأنس والرضا. ففي الحديث القدسي قال عز وجل:(كنت كنزًا لم أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق وتعرفت إليهم فبي عرفوني) فأخبر سبحانه أن الحب كان سبب خلق العالم فالعالم بالحب خُلِق وبالحب يعيش. هذا ويتولد من المحبة (المودة)

 

وهي مشتقة من اسمه تعالى الودود وعلاماته: إن يتودد المحب للمحبوب دائمًا بما يرضيه ويحبه. ويتولد أيضا من المحبة (العشق) وهو إفراط المحبة قال عز وجل: “وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ” وقوله عز وجل عن محبة السيدة زليخة لسيدنا يوسف عليه السلام (قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا) أي صار حبها ليوسف على قلبها كالشغاف وهي الجلدة الرقيقة التي تحتوي على القلب (غشاء القلب) وهي الذوبان في المحبوب والتعلق به. وكما قال ابن عربي"وألطف ما في الحب ما وجدته وهو ان تجد عشقًا مفرطًا وهوىً وشوقًا مقلقًا وغرامًا وتحولًا وامتناع نوم وعدم لذة بطعام ثم ذهولًا وذهابًا وفناءً ثم تجليًا وفيضًا ولذة لا توصف".

 

وكما قال ذي النون المصري "إن لله عبادًا ملأ قلوبهم من صفاء محبته وانار أرواحهم بالشوق إلى رؤيته فسبحان من شوّقهم إليه وأدنى منه هممهم سبحان موفّقهم ومؤنس وحشتهم وطبيب أسقامهم إلهي لك تواضعت أبدانهم من حلاوة الفهم عنك ما طيّبت به عيشهم وأدمت به نعمهم ففتحت لهم أبواب سمواتك وأبحت لقلوبهم الجولان في ملكوتك بك ما نُسيت محبة المحبين وعليك معوّل شوق المشتاقين وإليك حنّت قلوب العارفين وبك أُنِست قلوب الصادقين وعليك عكفت رهبة الخائفين وبك استجارت أفئدة المقصّرين قد يئست الراحة من فتورهم وقل طمع الغفلة فيهم لا يسكنون إلى محادثة الفكرة فيما لا يعنيهم ولا يفترون عن التعب والسهر ويناجون ربهم بألسنتهم ويتضرعون إليه بمسكنتهم يسألونه العفو عن زلاتهم والصفح عما وقع من خطأ أعمالهم فهم الذين ذابت قلوبهم بفكر الأحزان وخدموه خدمة الأبرار". هذا ويتولد من المحبة (الغرام)

 

 

وعلاماته: الاستهلاك والفناء في المحبوب بملازمة الذلة والكمد قال عز وجل: (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) أي مهلك لملازمة شهود المحبوب وليس للمحب صفة أعظم من إحاطته بالغرام. بعد كل ذلك يأتي المحب العارف فهو الذي يفنى في محبوبه فناء افتقار وذلة ورجاء وعبودية وحنينًا وشوقًا مع كمال الأدب والمعرفة.

وكلما ازداد الحب إزداد الإيمان وعلى مقدار الحب وبه نفهم غاية الحياة وسرها والمراد منها ما خُلقنا إلا للعبادة والمحبة فحب الله روح العبادة وهو رجوع النفس إلى الفطرة وهو وفاء بعهد سابق حينما اُخذ العهد الميثاق على الأرواح.. 

عزيزي القارئ لا تحيا القلوب وتسعد إلا بالحب فما أحوجنا لمحبة الله تعالى والرجوع إليه وما أحوجنا لمحبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله والعمل بسنته والتمسك بهديه..

الجريدة الرسمية