رئيس التحرير
عصام كامل

بعد انتقادات شيخ الأزهر.. حكم الشرع في عمليات التحول الجنسي

حكم إجراء عملية التحول
حكم إجراء عملية التحول الجنسي

أثارت تصريحات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، عن التحول الجنسي، حالة من الجدل على مدار الأيام الماضية، وذلك بعد رفضه ما أسماه “ هوس التحول الجنسي”.

وكان شيخ الأزهر أعرب عن رفضه لما أسماه بـ "هوس التحول الجنسي"، مؤكدًا أن التحول في الجنس دون ضرورة طبية هو انحراف واضح عن سنة الله في خلقه، وأن كل الأديان حذرت من الوقوع فيه، كما أن الفطرة البشرية ترفضه وتأباه.

وقال شيخ الأزهر خلال تدوينة له عبر حسابيه الرسميين على فيسبوك وتويتر باللغتين العربية والإنجليزية، تعليقًا على ما يسمى باليوم العالمي للمتحولين جنسيًا: "إن التحول الجنسي دون ضرورة طبية قاطعة هو أمر تأباه الفطرة الإنسانية السوية، وترفضه كل الأديان الإلهية".

وأضاف شيخ الأزهر أن الله خلق الإنسان وصوره في أحسن صورة، وأراد لهذا الكون أن يسير وفق حكمته وإرادته سبحانه، مشدًدا على أن التحول الجنسي هو محاولة بائسة لتغيير خلق الله، واتباع للشهوات تحت دعاوى الحريات الزائفة.

وفتحت تصريحات شيخ الأزهر الباب للتساؤل عن نظرة الشرع للمتحولين جنسيًا، وهل تسمح الشريعة الإسلامية بذلك، وكيف تتعامل المؤسسات الدينية في مصر مع الراغبين في إجراء عمليات التحول الجنسي.

كيف يتعامل الأزهر مع حالات التحول الجنسي 

من جانبه أوضح الدكتور عبد الهادي زارع، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، في وقت سابق  الطريقة التي تتعامل بها اللجنة مع مثل تلك الحالات، مشيرًأ إلى أنه عند ورد مثل تلك الحالات يطلب منها استيفاء الأوراق الخاصة بها من وزارة الصحة من خلال لجنة متخصصة، وكذلك من النقابة العامة للأطباء.

وأشار إلى أنه بعد استيفاء الحالة للأوراق الرسمية المطولة منها يتم تحويلها إلى مجمع البحوث الإسلامية، والذي يعقد لجنة خاصة لدراسة تلك الحالات كل بحالتها بحيث يتم استدعاء الأطباء المتخصصين في هذا المجال لفحص كل حالة على حدة، سواء أكانت تحول فتاة إلى ذكر أو العكس.

وأضاف "زارع" في تصريحات خاصة لـ”فيتو”  أنه يتم دراسة الحالة من كافة الجوانب للتأكد هل هي مجرد حالة نفسية لدى الشاب أو الفتاة، أم حالة أصلية، ومعرّفة ما إذا كان أعضاء الذكورة أو الأنوثة ليست واضحة في أي اتجاه مثل "الخنسى" مثلًا والتي يسهل فيها إصدار الرأي الشرعي.

وأوضح رئيس لجنة الفتوى أنه يراعى التأكد من عملية اختلاف الهوية لدى الشاب أو الفتاة وليس مجرد رغبة أو هوى شخصى لديه، مؤكدًا أنه لا يعتمد بالفتوى الشخصية فى تلك الحالات على الإطلاق وإنما يكون الأمر من خلال فتوى جماعية.

وشدد على أنه ليس هناك فتوى مطلقة في تلك الحالات بالتحليل أو التحريم، وإنما كل حالة بعينها تسمى في الفقه "واقعة عين وحال" بمعنى أن كل حالة لها طابعها ووضعها الخاص وليس هناك تعميم في تلك المسألة.

وتابع: قد يكون هناك حالتان متشابهتان لكن الرأي الشرعي فيهما يختلف بمعنى أن أحدهم يرى فيها الطب النفسي أجاز المسألة وأقر أنه متغير جنسيًا ومنها حقها التحول حتى لا تضار والحالة الأخرى يرى الطب أنه لن تضار إذا لم تتم عملية التحويل وإنما هى ميول شخصي فقط لدى صاحبها وليست ميول حقيقية لذلك نقول أن كل حالة تختص بنفسها.

الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق 

رأي الشرع في التحول الجنسي 

وكان الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية الأسبق، تطرق فى فتوى له حول هذا الأمر والذى عرفه بأنه اضطراب الهوية الجنسية أو ما يسمى بالإنجليزية: (Gender identity disorder) ويعرف اختصارًا بـ(GID) هو تشخيص يطلقه أطباء وعلماء النفس على الأشخاص الذين يعانون من حالة من عدم الارتياح أو القلق حول نوع الجنس الذى ولدوا به، وهو يعتبر تصنيفًا نفسيًّا، يصف المشاكل المتعلقة بالتغير الجنسى وهوية التحول الجنسى والتشبه بالجنس الآخر، وهذا المرض النفسى يعنى باختصار أن يجد الإنسان المريض فى نفسه شعورًا لا إراديًّا بأنه ينتمى إلى الجنس الآخر رغم اكتمال خلقته الجسدية وسلامة أعضائه التناسلية.

والجندر (Gender): كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتينى، وهى لغة: الجنس. من حيث الذكورة والأنوثة، ويستخدم لتصنيف الأسماء والضمائر والصفات.
ويُعَرِّف هذا المصطلح منظمة الصحة العالمية بأنه: الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات اجتماعية مركبة لا علاقة لها بالاختلافات العضوية، وتعرّفه الموسوعة البريطانية بأنه: شعور الإنسان بنفسه كذكر أو كأنثى، ومن ثم فإذا قام الرجل بوظيفة الأنثى، أو قامت الأنثى بوظيفة الذكر، فإنه لن يكون هنالك ذكر أو أنثى، وإنما سيكون هنالك «نوع» أي «جندر»، وهذا يعنى أن اختلاف الرجل والمرأة البيولوجى لا علاقة له باختيار النشاط الجنسى الذى يمارسه كل منهما، وهنا دعوة صريحة للشذوذ الجنسي، ويعنى أيضًا قيام الرجل بوظائف المرأة، وقيام المرأة بوظائف الرجل؛ لأن هذه الوظائف المخصصة لكل منهما حددها المجتمع ولم يحددها طبيعة الذكورة والأنوثة كما يزعمون، وهذا يعنى أيضًا أنه هدم للأسرة التى هى نواة المجتمعات كلها ومن دونها يخرب المجتمع.

وأضاف: دلت هذه النصوص الشرعية على أن الإنسان لا يملك جسده ملكا حقيقيا؛ لأنه مسئول عنه أمام الله تعالى، ومجازى على تصرفه فيه وما اقترفه من ظلم فى حق نفسه وجسده، بينما المالك الحق لا يُسأل ولا يُجازى على ما فعل فى ملكه، قال تعالى: {قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: 26]، وقال تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، وكما تدل محاسبة الإنسان على ماله -من أين اكتسبه وفيما أنفقه- على أنه لا يمتلكه ملكا حقيقيا يبيح له حرية التصرف المطلقة، فكذلك تدل محاسبته على جسده فيما أبلاه.


وعلى هذا الأساس لا يحق للإنسان التصرف فى أعضاء جسده إلا فى حدود ما بينت شريعة الإسلام إباحته بنص خاص أو بنص عام، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ 116 فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 115،116]، فالإنسان لم يخلق عبثًا ولن يترك سدى بلا أمر ونهى وحساب، فإنه عبد مكلف فى الحياة الدنيا بمهام محددة يؤديها ويثاب أو يعاقب بناء على ما عمل، {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105].


وفيما يتعلق بالتدخل الجراحي فى أعضاء الإنسان التناسلية، فأصله المنع إلا للضرورة أو الحاجة التى تنزل منزلة الضرورة؛ لأن الشريعة الإسلامية قد حرمت الخصاء وما فى معناه لكونه تغييرا لخلق الله تعالى، قال عز وجل: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا 117 لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا 118 وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [النساء: 117-119]، فالقرآن الكريم يوضح أن تغيير خلق الله تعالى محرم؛ لأنه امتثال لأمر الشيطان وولاء له من دون الله وخسران مبين، والخصاء ونحوه تغيير لخلق الله، ومخالفة لفطرته التى فطر الناس عليها فهو حرام، وقد جاء فى التفسير عن ابن عباس وأنس بن مالك رضى الله عنهم وأيضا عن غيرهما من السلف الصالح، أن المراد بتغيير خلق الله الوارد فى الآية الكريمة: هو الخصاء. (انظر: تفسير الإمام الطبرى، جامع البيان 9 /215- 216، ط. مؤسسة الرسالة)، لكن إذا كان فى الجراحة بتر بعض أعضاء الجسد للإبقاء على الحياة مثلا أو منافع سائر الأعضاء، فالقاعدة أن الضرورات تبيح المحظورات، وأنه إذا تعارضت مفسدتان روعى أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما. (انظر: الأشباه والنظائر للسيوطى ص 84، 87، ط دار الكتب العلمية).


واضطراب الهوية الجنسية لبعض الأشخاص مشكلة معروفة منذ زمن قديم سابق لعصور الإسلام، لكن معناها أن تجتمع فى الشخص الواحد علامات ومؤشرات شكلية وسلوكية للذكورة والأنوثة مع تفاوت فى نسبة ذلك بين مريض وآخر، غير أن هذه المشكلة لها حالتان: فقد تكون مشكلة فعلية لا دخل لإرادة الشخص فيها؛ وقد تكون مفتعلة بإرادته، ولكل حالة من هاتين حكم وعلاج. ويسمى من ابتلى بهذا الاضطراب (خنثى) إذا كان الاضطراب جسديا شكليا فكانت له آلة تناسل الذكر والأنثى، فإذا استحكم اللبس وأشكل الأمر بحيث لم يعلم أيهما الأصل وأيهما الزائد سمى: (خنثى مشكل) وكذا إذا لم يكن له آلة أصلا.
 

وذكر الفقهاء أن ترجيح جنس الخنثى المشكل بميوله القلبية لا يعتبر إلا فى حالتين؛ الأولى: عند العجز عن علامات ظاهرة، والثانية: إذا كان ليس له ذكر رجل ولا فرج أنثى، وفيما عدا هاتين الحالتين لا يجوز إلحاقه بأى الجنسين بناء على ميوله القلبية أو ما يمكن أن يعبر عنه اليوم بالإحساس الداخلى بأن روحه تنتمي إلى الجنس الآخر.

أما إذا كان الاضطراب اللاإرادى والمشابهة عارضة للسلوك والكلام والحركات فيسمى المبتلى مخنَّثا (بفتح النون المشددة) إذا كان ذكرا، ومُتَرَجِّلَة إذا كانت أنثى، ولا يلحق هذا المبتلى عقاب ولا لوم إلا إذا أمكنه دفع هذا الاضطراب فلم يفعل.
 

أما من افتعل هذا الاضطراب بأن يتشبه بالجنس الآخر فإن كان رجلا سمى مخنَّثا (بالفتح) وقيل: بل مخنِّثا (بكسر النون المشددة)، وإن كانت امرأة سميت مترجلة، وفى الحديث الشريف الذى أخرجه البخارى فى صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَعَنَ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: «أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ» قَالَ: فَأَخْرَجَ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلانًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلانًا. (رواه البخارى)، وفى رواية أخرى للحديث توضح أن المقصود بالمخنثين والمترجلات المتشبهون بالجنس الآخر بافتعال وتصنع واختيار، جاء فيها: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ».

فالاضطراب المفتعل انحراف سلوكى يقتضى التعزير والردع وإعادة تأهيل المنحرف، فإذا تجاوز افتعال الاضطراب والتشبه بالجنس الآخر حد السلوك إلى حد إجراء عملية جراحية من أجل التشبه بالجنس الآخر، كان هذا التصرف جريمة لا يجوز الإقدام عليها طلبا وفعلا تستحق العقوبة؛ لأنه تغيير لخلق الله وكفر لنعمته وتشويه وإضرار بالنفس غير جائز شرعا، ويقال فى هذا ما قاله العلماء عن جراحة الخصاء وما شابهها.

أما الاضطراب اللاإرادى فهو ابتلاء مرضى ينبغى علاجه ويراعى فى معالجته استقراء علامات الذكورة والأنوثة العضوية فتتحدد هوية المريض بناء على ذلك، ويجوز حينئذ إجراء العملية الجراحية وما تتطلبه من علاج بعد تحديد الهوية الجنسية لإبراز الهوية الحقيقية، وإزالة العناصر العضوية والآثار النفسية التى سببت اضطراب الهوية الجنسية للمريض؛ لأن القاعدة الشرعية أن (الضرر يزال)، ولا شك أن هذا التشابه والالتباس ضرر، فإزالته واجبة قدر الاستطاعة؛ لأن تركه مع إمكان دفعه يوقع صاحبه فى إثم التشبه بالجنس الآخر المستوجب للَّعن.
 

حكم إجراء عملية التحول الجنسي 

وبناء على ما سبق فإنه لا يجوز إجراء العملية الجراحية التى تسمى: تحويل الجنس أو تغييره أو تصحيحه إلا فى حالة الخنثى الذى اجتمعت فيه أعضاء جسدية تخص الذكور والإناث (كآلة التناسل مثلا)، كما يتضح أنه لا يجوز شرعا الاعتماد فى تحديد هوية (الخنثى المشكل) الجنسية على سلوكه وميوله إلا فى حالتين: الأولى: عند العجز عن التحديد بناء على العلامات المادية المذكورة، والثانية: إذا لم يكن له ذكر رجل ولا فرج أنثى، وفيما عدا هاتين الحالتين لا يجوز إلحاقه بأى الجنسين بناء على ميوله القلبية أو ما يمكن أن يعبر عنه اليوم بالإحساس الداخلى بأن روحه تنتمى إلى الجنس الآخر، وإنَّ فشل أطباء الغرب ومقلديهم فى الشرق فى علاج من يسمونهم مرضى (اضطراب الهوية الجنسية) نفسيًّا لا يقتضى التسليم التام بأنه لا علاج لهم سوى العملية الجراحية ومسخ آدميتهم، فماذا لو كان فهم الإسلام والتزام شريعته وآدابه يعتبر ركنا أصيلا فى علاج المرضى الذين يريدون العلاج حقا، لا الذين يتبعون شهواتهم الشيطانية الشاذة، ويريدون الاعتراف بشرعية جريمتهم فى حق أنفسهم وفى حق الآدمية وفى حق الخالق عز وجل، ومهما أجرى المخنث من عمليات جراحية لتحويله صوريًّا إلى الجنس الآخر لم يتحول شرعًا، ولا يُعطى الحقوق المادية أو المعنوية إلا المناسبة لحقيقته قبل عمليات المسخ والتشويه التى أجراها.

الجريدة الرسمية