رئيس التحرير
عصام كامل

الحكيم والدجال!

يحكى أن دجالًا جاء إلى إحدى المدن.. فاجتمع الناس حوله يشترون بضاعته الغريبة.. وفى كل يوم كانت سلعته تزداد رواجًا. وذات يوم زار المدينة رجلٌ حكيم.. فأدهشه إقبال الناس على الدجال.. وسأل عن سبب الزحام الشديد حوله فأخبروه أن هذا الرجل يقوم ببيع قطع من أراضى الجنة.. ويمنح سندات تمليك بذلك.. ومن مات ومعه هذا السند.. دخل الجنة وسكن الأرض التى اشتراها هناك.

 

احتار الرجل فى كيفية إقناع هذا الكم الهائل من الناس بعدم صدق هذا الرجل.. وأن من اشترى منه قد وقع فى تضليله وتدليسه. وفى النهاية اهتدى الرجل الحصيف إلى حل عبقرى.. تقدم الحكيم إلى الرجل الدجال فقال له: كم سعر القطعة فى الجنة؟.. فأخبره أن القطعة بـ 100 دينار.. فقال الحكيم: وإذا أردتُ أن أشترى منك قطعة فى (جهنم).. أتبيعها لى؟

 

 

استغرب الرجل، ثم قال: خذها بدون مقابل. فقال الحكيم: كلا.. لا أريدها إلا بثمن أدفعه لك.. وتعطينى سندًا بذلك. فقال: سأعطيك ربع جهنم بـ 100 دينار. وهو سعر قطعة واحدة فى الجنة! فقال له الحكيم: فإن أردتُ شراءها كلها؟ فقال الدجال: عليك أن تعطينى 400 دينار وفى الحال قام الحكيم بدفع 400 دينار إلى الدجال.. وطلب منه تحرير سند بذلك.. وأشهد عليه عددًا كبيرًا من الناس.

من الأصلح؟

 

وبعد اكتمال السند قام الحكيم ينادى بأعلى صوته: أيها الناس.. لقد اشتريتُ جهنم كلها.. ولن أسمح لأى شخص منكم بالدخول إليها.. فقد صارت ملكى بموجب هذا السند.. أما أنتم فلم يتبقَّ لكم إلا الجنة.. وليس لكم من سكنٍ غيرها سواء اشتريتم قطعًا أم لم تشتروا! عند ذلك تفرَّق الناس من حول الدجال؛ لأنهم ضمنوا عدم دخول النار بسند الحكيم.. وأدرك الدجال أنه أغبى من هؤلاء الذين صدَّقوا به!

 

قال الراوى: قصصتُ هذه القصة على شيخ جليل اشتهر بحكمته فقال لى: وهل تعجب من هؤلاء الناس؟ فقلت: نعم.. أيوجد أناس بهذا المستوى من التفكير؟! فقال: أغلبنا بمثل مستوى تفكيرهم.. غير أنهم أفضل نية منا! فقلت: كيف؟ فقال: مَنْ يشرب الخمر هل يجدها ملقاة على الطريق أم يذهب لشرائها بماله الخاص؟ فقلت: بل يشتريها بماله الخاص.

 

فقال: ومن يقصد بيوت الهوى.. ومن يلعب القمار.. ومن يتعاطى المخدرات.. ومن يضيع الأوقات فى مشاهدة الحرام.. ومن تنتهك حرمات الله بملابسها العارية.. أليست كلها أموال ندفعها من جيوبنا لنشترى بها قطعًا فى جهنم؟! بينما نترك الصلاة والصيام والذكر والقرآن، وحسن معاملة الناس وغير ذلك من العبادات.. رغم أننا لا ندفع شيئًا من جيوبنا.. ولا نقبل أن نشترى الجنة بأيسر الأعمال.. فمن أصلح هم أم نحن؟!

 

قصة يجب أن نتوقف عندها كثيرًا.. وأن ندرك بها معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى". قالوا: يا رسولَ اللهِ، ومن يأبى؟.. قال: "من أطاعنى دخل الجنة، ومن عصانى فقد أبى".

الجريدة الرسمية