الخريف واكتئاب ما بعد كورونا !
لشهر سبتمبر، ومن بعده أكتوبر، مكانة نفسية خاصة عند فئة عريضة من البشر، يتمتعون، عفوا، يتعذبون، بخاصية تميزهم هي الإحساس.. الإنسان الحساس يتأثر بسرعة، وتدمع عيناه، ويذوب قلبه، إذا رأي انسانا آخر في حال من الحزن أو الإحتياج أو في مصيبة.. والإنسان الحساس هو المستمتع بجمال عطاءات ونعم الله، يراها كما لا يراها غيره، ويحسها كما لا يحس بها غيره، وربما يتعجب منه أصحاب الجلد السميك، ويتهمونه فيما بينهم بأنه خيالي ومتوهم ومخه فاصل.
الحساس أيضا كلمة ترفعه وكلمه تهبده. تلامس قلبه المشاعر الصادقة، وتكسر قلبه كلمة جارحة، بل هو ذاته يتألم أشد الألم، ويوبخ ذاته، ويزجرها، ولا ينام الليل إذا جرح بغير قصد انسانا آخر. وساعات يكون له الحق في زجر وإيلام شخص آخر، فينطلق في النيل منه، ولما يهدأ يحزن مما فعله ويلوم نفسه ويستاء.. ويعلل بأنه كان يمكن أن يسامح.
اكتئاب وكوابيس
تظهر سحب سبتمبرية، وأكتوبرية، ويغلفنا هواء طرى بارد مع إقبال الليل، ونتدثر بذكريات تأخذ في التسلل الى حجرات القلوب. تتمدد الذكريات، وتطل بروائحها محمولة علي هواء الخريف البارد، بلسعته المنعشة.. حين تمتلئ سماء أكتوبر، الشهر لا المدينة، بالسحاب الرمادى، من خلفه سماء صافية، في سبيلها للتعكر، تنقبض قلوب المساكين الحساسين.. كأنما يتدلي السحاب المعكر بالذكريات المثقل بالاحباطات ليهبط فوق الصدور المختنقة بتحولات الربيع الى الخريف، والواقع إلى كوابيس، والاصدقاء إلى خصوم..
إنه الاكتئاب.. ترى ولا تبصر.. تسمع ولا ترغب في الرد.. تريد الحركة ولا تتحرك.. يضيق عليك صدرك، وتتلاشي نصف الرئة، تملؤها فلا تمتلئ الإ لتبقى علي قيد الحياة. ضائق الصدر يكون عصبي المزاج. قابل للإشتعال. في حالة المكتئب، تتزحلق كل كرات النار.. يفقد إدراك خطورتها.. بل يفقد إدراك أن الحياة حياته، وإنها مهمة، وأنه لا يجوز أبدا أن يفرط فيها بالإنتحار. تهون عليه نفسه.. ولا تعود له صلة بمن حوله.. يتشرنق.
ربما يدوم الأمر مع دوام السحب العكرة، وربما ينقشع الشعور بالتداخل الذاتي، مع صحو الجو.. وبصفة عامة فإن إكتئاب المواسم مقدور عليه.. الإ إكتئاب الفقدان لعزيز تعلقنا به روحا بروح.. كل هذا في ناحية، واكتئاب العائدين من حفرة كورونا اللعينة. في ناحية أخرى.
لاحظت بمتابعة أصدقاء كثيرين، تعرضوا للإصابة بالمتحور دلتا، بالذات، أن الشفاء البدني العضوى تم بحمد الله، لكن المرض مستمر نفسيا. الأعراض التنفسية إنتهت، وحلت الأعراض النفسية. الزهق. فقدان الشهية. ضيق التنفس. الخوف من الخروج إلي الحياة. عدم الرغبة في الاختلاط. النزوع إلى الانسحاب.
كان الله في عونهم، وأعانهم علي عذابهم، ولسوف يزيح الله عنهم وعنا جميعا ضيق الصدر.. بسبب كآبة الخريف فالشتاء.. وكآبة العودة من براثن دلتا الشرسة !
