رئيس التحرير
عصام كامل

متى يفتقد القاضي صلاحيته؟

حُسن السمعة وطيب الخصال هما من الصفات الواجب توافرها في عضو الجهة القضائية، إذ بدونهما لا تتوافر الثقة والطمأنينة في شخص العضو مما يؤثر تأثيرًا بالغًا على المصلحة العامة وعلى الجهة التي ينتمي إليها، لذا يجب أن يسلك في سلوكه ما يليق بكرامة وظيفته ويتناسب مع قدرها وعلو شأنها وسمو رسالتها

 

وهو التزام لا يقتصر على ما يصدر من القاضي أثناء قيامه بأعباء وظيفته بل يمتد ويشمل ما يصدر عنه من أفعال وتصرفات خارج نطاق وظيفته، فيلتزم بمستوى من السلوك يليق بكرامة الوظيفة بابتعاده عن مواطن الريب والشبهات، وهذا شرط لا ينفك عن عضو الجهة القضائية بل يلازمه بحيث إذا انتفت صلاحيته للاستمرار فيها تعين بقرار من مجلس الصلاحية إقصائه عنها.

ووظيفة القاضي لها قدسية وإجلال واحترام، وتتطلب في شاغلها أعلى قدر من الحيدة والنزاهة والتعفف والاستقامة، والبعد عن الميل والهوى، والترفع عن الدنايا والمشتبهات، والقدرة على مجاهدة النفس الأمارة بالسوء في ظل ظروف الحياة الصعبة وضغوطها التي تجعل من النفوس الضعيفة فريسة للأهواء والنزوات وتسخير المناصب القضائية الحساسة لتحقيق أهدافها والانحراف بها عن جادة الصالح العام، وهو الأمر الضار بالمصلحة العامة التي يحرص المشرع على إحاطتها بسياج من الاحترام الذي لا يمكن أن يتحقق وشاغل الوظيفة على درجة مؤسفة من مخالفة القانون مما يؤثر تأثيرا مباشرًا في كيان الوظيفة واعتبارها مما يفقده شرط صلاحية تولي الوظيفة القضائية.

 

وظيفة غير قضائية

 

المشرع أجاز لرئيس مجلس الدولة إذ ما رأى في مسلك العضو اعوجاجًا، حاد به عن سبيل الأصول والتقاليد القضائية بما يحط من كرامة الوظيفة ويزري منها، بحيث يستجمع له أسباب فقد الثقة والاعتبار وهما عُدة كل قاضي وأساس صلاحيته، إذ ما رأى رئيس المجلس ذلك أحال العضو إلي مجلس التأديب منعقدًا بهيئة صلاحية، فإذا قامت أسباب عدم صلاحية العضو قرر المجلس إحالته على المعاش أو نقله إلى وظيفة غير قضائية، ويصدر بالإحالة أو النقل قرار من رئيس الجمهورية.

 

وأسند إلى مجلس التأديب اختصاص الفصل فيما يعرض عليه في الدعاوى التأديبية، وإبداء الرأي في أمر صلاحية أعضاء مجلس الدولة للبقاء في الوظائف القضائية، وما يصدر من مجلس التأديب في الحالة الأخيرة لا يعدو أن يكون رأيًا، وليس بحكم أو بقرار، وإنما هو عمل تمهيدي غير قابل بذاته للتنفيذ، وإنما الذي يكون محلا للطعن هو القرار الصادر من رئيس الجمهورية بنقل العضو إلى وظيفة غير قضائية أو إحالته إلى المعاش بعد موافقة مجلس التأديب بهيئة صلاحية.
 

غير قابلين للعزل

 

والقضاة غير قابلين للعزل، ومع ذلك إذا اتضح أن أحدهم فقد الثقة والاعتبار، أو فقد الصلاحية لأدائها لغير الأسباب الصحية أحيل إلى المعاش، أو نقل إلى وظيفة غير قضائية بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس التأديب، والمشرع أجاز لرئيس مجلس الدولة إذ ما رأى في مسلك العضو اعوجاجًا، بما يحط من كرامة الوظيفة، بحيث يستجمع له أسباب فقد الثقة والاعتبار وهما عُدة كل قاضي وأساس صلاحيته، أحال العضو إلي مجلس التأديب منعقدًا بهيئة صلاحية.

 

فإذا قامت أسباب عدم صلاحية العضو قرر المجلس إحالته على المعاش أو نقله إلى وظيفة غير قضائية، ويصدر بالإحالة أو النقل قرار من رئيس الجمهورية، ولا يتقيد تقدير مجلس الصلاحية للقيم التي التزمها بفترة معينة دون أخرى ولا بواقعة دون غيرها، وإنما يُقَلبُ البصرَ في الصورة المتكاملة لسمعته وسيرته وما أستقر في شأنها بطريق التواتر ماضيًا وحاضرًا.

 

ظلال قاتمة

ذلك أن عمل القاضي لا يقاس بغيره من العاملين المدنيين، وإنما يتعين أن تكون مقاييس سلوكه أكثر صرامة وأشد حزمًا، نأيًا بالعمل بالجهة القضائية عن أن تحيطه الشبهات أو تكتنفه الشكوك والريب التي تلقى بذاتها ظلالًا قاتمة على حيدته ونزاهته وتتضاءل معها أو تنعدم الثقة في القائمين عليه

 

مما يستوجب الحكم بانتفاء صلاحية عضو الهيئة القضائية للقيام برسالته وابعاده عن محيط العمل بالجهة القضائية وتنحيته عن الاستمرار في عمله إن هو تنكب سبيله القويم وفقد لشروط توليه أعباء الوظيفة وتحمله تبعاته، وانزلق إلى أفعال كان ينبغي عليه أن يتجنبها صونًا لهيبة الجهة القضائية وتوكيدًا لسمو شأنها وتوقيا للتعريض بها إذا لابستها عوامل تنتقص من كرامتها أو داخلتها المآخذ التي لا يطمئن معها إلى الالتزام بقيمها الرفيعة.. وللحديث بقية.

الجريدة الرسمية