رئيس التحرير
عصام كامل

ملحمة الجزيرة الخضراء.. وذكرى رحيل بشارة!

كان البطل النقيب مجدى بشارة لم يتجاوز 27 سنة، عندما قامت قوات العدو الصهيونى بمهاجمة الجزيرة الخضراء، تلك الجزيرة الصخرية المرتفعة على سطح البحر، كان للهجوم عدد من الأهداف، منها العسكرى باحتلال الجزيرة فى ذكرى احتفالات مصر بثورة 23 من يوليو، الهدف السياسى والمعنوى الأهم وهو محاولة لكسر أنف جمال عبدالناصر  الذى رفع شعار "ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، وهذا الشعار سبب للكيان الصهيونى إزعاجا كبيرا، لأن العدو الصهيونى توقع  سقوط واستسلام جمال عبدالناصر بعد  نكسة 5 من يونيو، إلا أن الشعب المصرى رفض الهزيمة وأعلن تمسكه وثقته بقائده، وبالتالى لم تنكسر إرادة مصر والإصرار على الحرب من أجل الثأر وتحرير الارض.

 وبالتالى كانت خطة العدو الصهيونى الهجوم على الجزيرة الخضراء واحتلالها فى 19 من يوليو قبل الاحتفالات بثورة يوليو، وتكون بمثابة ضربة قوية للنظام المصرى مما يسبب تحطيم الروح المعنوية للمصريين وتشوية صورة قائدها لعدم القدرة على قيادة مصر لاستعادة ارضها، كما أن العدو الصهيونى أراد الاحتفال بلحظة هبوط أول رائد فضاء على سطح القمر وكأنها تحية من الكيان الصهيونى الى الراعى الرسمى لها، الولايات المتحدة الامريكية.

 

ويروى البطل اللواء مجدى بشارة ذكرياته حول الواقعة فيقول: بدأ العدو فى مهاجمة الجزيرة الخضراء الساعة الثانية عشرة ليل 19 يوليو 1969، وكانت القوة الموجودة تضم 100 جندى وخمسة ضباط، و30 صندوقا لقنابل يدوية، بالإضافة إلى قذائف لهب وألغام بحرية تم زرعها تحت الماء لمواجهة ضفادع العدو الصهيونى البشرية.

ويكمل اللواء مجدى بشارة: كان لدينا معلومات أن هناك كتيبة صاعقة وسرية ضفادع بشرية اسرائيلية سافروا إلى الولايات المتحدة الامريكية فى تدريب خاص لمدة 3 شهور من أجل احتلال الجزيرة، ولكن المفاجأة أن إسرائيل هاجمت الجزيرة بإنزال 800 جندى حاولوا التسلل بصمت فى محالة لقتل القوة المصرية بدون اشتباك، ولكن الذى حدث مفاجأة لم تخطر على بال أحد، فقد واجهوا مقاومة غير عادية، وعجزوا عن دخول الجزيرة الخضراء، بفضل دماء شهدائنا، وتكاد الذخيرة تنفذ، ولم يعد من القوة أقل من 30 فرد بين ضابطا وجنديا فقط، وطلبت إمداد من قائد الجيش التانى، فأرسل 40 جنديا عبر لنش بحرى، إلا إنهم استشهدوا قبل أن يصلوا للجزيرة بغارة للطيران الصهيونى، وهنا قرر قائد الجيش التانى عدم تكرار الإمداد وعلى القوة الموجودة مقاومة العدو، وأرسل يقول: "حارب بما هو موجود لديك"!

كان الموقف عصيبا، لا يعرف النقيب مجدى بشارة ماذا يفعل؟ إلا إنه طلب من قائد الجيش الثانى شيئا غريبا فقال له: أرجوك بعد 10 دقائق إفتح كل المدفعية لإبادة كل من على الجزيرة الخضراء! فرد قائد الجيش: إنت مجنون! قال النقيب مجدى بشارة: نموت أفضل من سقوط الموقع فى يد العدو

بسالة الجندى المصرى

أعطى مجدى بشارة أوامره بمحاولة الاختباء تجنبا للقصف المصرى للجزيرة، وفى لحظة واحدة اطلقت مدفعية الجيش الثالث جميعها نيرانها على الجزيرة فحولتها إلى جهنم، لم تتحمل قوات العدو القصف العنيف، وبسرعة وعشوائية بدأت فى الانسحاب. يقول اللواء مجدى بشارة: كان الجنود الصهاينة يجرون مثل الفئران فقام جنودنا بصيدهم وهم يهرعون إلى اللنشات، فاغرقوا لنشات وقتلوا اكثر من 62 جنديا وإصابة اكثر 110 بين ضابط وجندى، هذا ما أعلنه العدو، ولكن الحقيقة كانت أكثر بكثير، فى السادسة صباح اليوم التالى، حطت ثلاث طائرات عامودية للعدو على سطح المياه لانتشال خسائرهم، وهنا قلت إن هذه الطائرات صيد سهل، قبل أن أكمل كلمة إضرب تم تدمير إحدى هذه الطائرات بما تحمله من جنود أحياء أو جثث أو مصابين وأصبحت الطائرة مليون قطعة.

 فى نفس اللحظات بدأت الطيران الصهيونى بهجوم علي الجزيرة الخضراء، فأعطى النقيب مجدى بشارة الأوامر لجنوده بعدم محاولة الاشتباك مع الطيران أو حتى الرد لو إذا بادر العدو الصهيونى بإطلاق النيران فعليهم النزول للاختباء، ولكن حدث أن العريف محمد ابراهيم الدريرى كان على مدفع رشاش يطلق 3600 طلقة فى الدقيقة، شاهد طائرتين ميراج قادمتين وفور وقوعهما فى دائرة إطلاق النار قام  بفتح النيران عليهما فاسقطهما فى مفاجأة للجميع!

من المفارقات أن البطل إبراهيم الرفاعى إستطاع اختراق حصار الجزيرة الخضراء ليلا، وكان الجندى محمد زكى عبده يرقد وأحشاؤه خارج بطنه، وذراعه تحت صخرة تبلغ نحو 20 طنا، وبشارة ينظر إليه بألم وعجز، فلما شاهده إبراهيم الرفاعى طلب آلة حادة حتى ليفصل ذراعه وحمله فى لنشه، وبعد 3 شهور فوجئ مجدى بشارة بالجندى يدق على باب بيته بعد علاجه.

ذكرى رحيل مجدى بشارة

وتكشف الوثائق الصهيونية أن الهجوم على الجزيرة الخضراء كان محل خلاف بين القيادة العسكرية من جانب وبين صغار الضباط من جانب آخر، فقد شكك كثير من الضباط ومن بينهم عوزى ديان ابن شقيق وزير الدفاع موشيه ديان فى خطورة العملية وتعريض حياة الجنود للخطر، بينما كان رئيس الأركان والقيادة السياسية يرون أنها عملية ضرورية وبحسب الوثائق فقد قيل لعوزى ديان: بدلا من أن تسوى طائرات سكاى هوك الجزيرة بالأرض، فإنه من المتوقع زرع الرعب فى قلوب المصريين!

ولكن خابت توقعاتهم وخسروا المعركة  ودفعوا الثمن غاليا من الطائرات واللنشات والأفراد على يد أبناء مصر الأبطال، ومن المفارقات أيضا أن شقيق البطل مجدى بشارة الأصغر الملازم أول إيهاب كان ضمن القوات التى تقصف الجزيرة، كما إن اذاعة لندن أذاعت خبر الهجوم على الجزيرة الخضراء وتم قتل القوة الموجودة عليها، وسمعت أسرته هذا الخبر، ويؤكد اللواء مجدى بشارة بعد إنتهاء المعركة علم بأن الزعيم عبدالناصر والفريق محمد فوزى كانا يتابعان المعركة ثانية بثانية، وهناك الكثير وللحديث بقية. 

ويشاء القدر ان يرحل اللواء مجدى بشارة العام الماضى فى حادث سير فى نفس موعد انتصاره على العدو 20 يوليو 1969.

الجريدة الرسمية