رئيس التحرير
عصام كامل

أسرار حسب الله الكفراوي.. أنقذ السد العالي من معدات الروس وتوشكى أطاح به من الوزارة

المهندس حسب الله
المهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان الأسبق

رحل اليوم عن عالمنا رجل جمع بين العلم والعمل فأجادهما ودفعه منصبه إلى العمل السياسي  فكان مخلصا لمصر فقط وليس لأي نظام حكم عمل معه، إنه المهندس حسب الله الكفراوي، وزير الأسبق الأسبق، والأشهر في تاريخ مصر، الذي توفي عن عمر جاوز الـ90 عاما، مليئة بالأسرار  العليا في عهود رؤساء مصر عبد الناصر والسادات ومبارك.

 

وفي شهر أبريل عام 2019 كتب الزميل الصحفي محمد نوار مقالا بعنوان «"حسب الله الكفراوي" من السد العالى إلى رفض توشكى»، كشف خلاله الكفراوي عن أسرار  شديدة الأهمية في تاريخ مصر الحديث والمعاصر فإلى نص المقال:

 

نتحدث عن النماذج السلبية في بلدنا، وننتقد هنا وهناك، إيمانا منا بأن النقد والتقييم والمراجعة الدائمة هم أساس تقدم الأمم، اليوم أتحدث عن رجل مصرى مشرف، جاء من قلب ريف مصر، وكان يمكن أن يصبح أكبر أغنياء مصر وربما من أغنياء العالم، إلا أنه كان دائما القدوة والنموذج الوطنى الشريف المعلم لكل الأجيال التي عاصرته أو الأجيال التالية، إنه المهندس حسب الله الكفراوى..

 

 

الوزير الإنسان الراقى، الذي شهد له الجميع بالنزاهة والكفاءة، المهندس الكفراوى الذي أصرت أمه على تعليمه بعد فقد الأب وكان طفلا لا يعى شيئا، أصرت على أن يكون مهندسا مع صعوبة الحياة، بدأ حياته مهندسا في المشروع الرائع، بناء السد العالى، وقد كشف لى في حوار استمر يومين في منزله المتواضع في السادس من أكتوبر، عن أسرار غريبة ومدهشة في حياته..

 

يروى أن العمل في السد العالى استمر عامين كاملين دون جدوى حقيقية، نظرًا لضعف المعدات التي تم استيرادها من الكتلة الشرقية، فتم كتابة تقرير سري للرئيس"جمال عبدالناصر" وتم اقتراح ضرورة الاستعانة ببعض الأجهزة من الكتلة الغربية التي تقاطع دعم المشروع العملاق، وعرضوا أيضا الوسيلة لجلب أجهزة من الغرب، وهى أن يتم شراؤها عن طريق أفراد، وتدخل البلد سرا، وكأنها مهربة وأنه لا علاقة للحكومة بها..

 

وافق "عبد الناصر" على الاقتراح، وبالفعل تم الاستعانة بأجهزة غربية لإنقاذ الوقت الذي كان ممكن أن يمضى دون الالتزام بالوقت المحدد للمشروع، المعروف أن "السد العالى" تم الانتهاء منه تماما في عام 1970 عندما أعلن "جمال عبد الناصر" هذا في عيد ثورة يوليو في نفس العام..

 

الموقف الثانى أن المهندس "حسب الله الكفراوى" عمل جنبا إلى جنب الرئيس "السادات" وعشق العمل معه، ومن أسرار هذه المرحلة الدقيقة عند الاتفاق على اتفاقية كامب ديفيد،  عقد "السادات" اجتماعا سريا مع عدد محدود من المساعدين، كان أبرزهم المهندس "حسب الله الكفراوى"، وشرح السادات لهم الموقف بعد انسحاب القوات الصهيونية من سيناء سيحدث مناطق كثيرة منها بدون قوات من الجيش المصرى وهذا سيحدث خللا في منظومة الدفاع المصرية..

 

ولهذا كلف المهندس "حسب الله" بوضع خطة لزراعة سيناء بقرى للإسكان، ولكن فوق الأرض قرى وتحت الأرض مواقع عسكرية مجهزة للاستخدام في أي وقت، على أن يتم هذا بالتنسيق مع وزارة الدفاع والمخابرات حتى يتم العمل بسرية كاملة، وبالفعل أعد "الكفراوى" التصور كاملا، وأصبح جاهزا واعتمده "السادات" من منطلق أنه مجرد مشروع لتعمير سيناء، ويشاء القدر أن يرحل "السادات" في السادس من أكتوبر 1981 وقبل استكمال المشروع، ويأتى الرئيس الأسبق "محمد حسنى مبارك"، ولم ينفذ شيئا مما خطط "السادات" في سيناء، وتوضع المشاريع في أدراج النسيان..

 

أما الموقف الثالث فهو أن المهندس "حسب الله الكفراوى" فوجئ ذات يوم بأن د."عاطف صدقى" رئيس الوزراء الأسبق يقول له: "إحنا مش لاقيين حد يمسك الوزارة بدل منك"! تعجب "الكفراوى" الذي كان قد زهد العمل السياسي خاصة أنه لم يعد يحقق فيه ما يحلم به، المفاجأة الأكبر عندما ذهب لحلف اليمين أمام "حسنى مبارك" فوجئ أنه وزير دولة فقط، فقرر الانسحاب وشكر "عاطف صدقى" وأخذ في الانصراف من القصر الجمهورى، فإذا بالرئيس "مبارك" قادم، ولمح "الكفراوى" وهو يهم بالانصراف، فأشار له واقترب منه، وسأله "مبارك": على فين؟ قال: ماشى يا ريس، كفاية سنين الشغل اللى فاتت اللى بعدها اجى وزير دولة؟ قال "مبارك": مش ممكن تمشى، استنى علشان نمشى سوى، كفاية قوى كده!

وبعدها تم التخلص من المهندس "الكفراوى" خاصة أنه كان له رؤية خاصة في مشروع توشكى الذي هلل له الإعلام، واعتبرته حكومة "كمال الجنزورى" مشروع القرن، والمنقذ لمصر من مشاكلها التي تعانى منها من قلة الأراضي الزراعية، لدرجة أنه عقد اجتماعا خاصا يضم "أسامة الباز" و"زكريا عزمى" مع "الكفراوى" لإقناعه، ولكنه رفض، لأنه كان يرى أن المشروع لا يأتى في الأولويات لضخامة تكلفته، وقلة العائد منه في ظروف غاية الصعوبة اقتصاديا، مرت الأيام وثبت صحة رؤية "الكفراوى".

 

أذكر هنا منذ عشر سنوات طلبت من المهندس "الكفراوى" أن يتوسط لدى د."كمال الجنزورى" ليخرج عن صمته في حوار لإحدى القنوات الفضائية، قال: سيرفض! ومع هذا اتصل به وحاول إقناعه إلا أن "الجنزورى" رفض تماما، بالرغم أنه من حقه مراجعة الأسئلة قبل التسجيل، فسألت المهندس "الكفراوى" ما هو السبب الحقيقى للرفض !؟ قال: "الجنزورى" لديه أمل في العودة للعمل السياسي مرة أخرى!

 

وبالفعل عاد "الجنزورى" للعمل بعد 25 يناير! لا أعرف لماذا تذكرت الحديث المهندس "حسب الله الكفراوى"!؟ ربما لأننى كنت أرى فيه نموذج المصرى المكافح الأمين العاشق لتراب مصر القدوة التي نبحث عنها.. وأرى أن "كامل الوزير" يكمل مسيرة نبلاء مصر الذين دائما وأبدا يقدمون الغالى والنفيس من أجل مصر وترابها الزعفران.

الجريدة الرسمية