رئيس التحرير
عصام كامل

كل المناهل بعد النيل آسنة.. شوقي وناجي والجارم ومحفوظ أبدعوا في تمجيد النيل

نهر النيل
نهر النيل

"إن نهر النيل مصدر الحياة، أترى كم هو عظيم فى سريانه! إنه تجسيد لثقافتنا".. بهذه الكلمات البسيطة لخص أديب نوبل العالمى نجيب محفوظ ما يمثله نهر النيل فى اعتقاده وإيمانه.


النيل مثَّل مصدر إلهام كبيرًا للأدباء والشعراء على مر العصور، حيث تذخر المكتبة الأدبية بالعديد من الأبيات والروايات والكتب التى تناولت النهر الخالد بأشكال وأفكار ومشاعر مختلفة، ومنها كلمات نجيب محفوظ التى جاءت ردًا على سؤال وجهه الكاتب إبراهيم عبد العزيز للأديب العالمى فى حوار نشره فى كتابه "ليالى نجيب محفوظ فى شبرد.. الجزء الأول".


ولعل تأثر نجيب محفوظ بالنهر الخالد جعله يستحضر بقوة مميزة نهر النيل فى أكثر من رواية من رواياته، وضمنها "ثرثرة فوق النيل"، مسجلًا أهمية هذا النهر العظيم فى حياة مصر عبر التاريخ، لذلك فهو له علاقة خاصة بالنيل، حيث يقول عنه على لسان أحد أبطال روايته عن النهر: "فى الأوقات التى كنت أجلس فيها بمفردى على شاطئ النيل كنت أشعر وكأن هناك علاقة حب ومودة تربطنى بالنيل، فأناجيه وأتحاور معه كأنه شخص آخر أحيانًا كنت أحدق فيه ولا أشبع من النظر إليه".


وفى أحرف الشعراء وقصائدهم كان لنهر النيل نصيب ومكانة خاصة، حيث أبدع كبار الشعراء ونظموا قصائدهم سواء تغزلًا فى النيل أو تشبيها لظروف حياتهم وأحوالهم بالنهر الخالد، فى جريانه وعطائه.

 

أحمد شوقي
فنرى أحمد شوقى يتغزل فى عطائه وفيضه الزاخر منذ الأزل فيقول: "من أي عهد فى القرى تتدفق وبأى كف فى المدائن تغدق.. تسقى وتطعم لا إناؤك ضائق بالواردين ولإخوانك ينفق".


ومن أجمل ما قيل فى النيل ما دار بين أمير الشعراء أحمد شوقى وشاعر النيل حافظ إبراهيم من قصائد حينما كان شوقى فى منفاه، وغلبه اشتياقه للنهر، حيث كتب لحافظ إبراهيم قائلًا: "يا ساكنى مصر إنا لا نزال على.. عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا.. هلا بعثتم لنا من ماء نهركم.. شيئًا نبل به أحشاء صادينا؟.. كل المناهل بعد النيل آسنة.. ما أبعد النيل إلا عن أمانينا".


ليرد عليه حافظ إبراهيم: "عجبت للنيل يدرى أن بلبله.. صاد ويسقى ربا مصر ويسقينا.. والله ما طاب للأصحاب مورده.. ولا ارتضوا بعدكم من عيشهم لينا.. لم تنأ عنه وإن فارقت شاطئه.. وقد نأينا وإن كنا مقيمينا".


ويطلب الشاعر على الجارم من النيل مواصلة مسيرته فى دِعة فهو كتاب الدهر الذى شاهدت ضفتاه حضارات وفنونا وملوكا وفراعين قائلا: "سر أيها النيل فى أمن وفى دعة.. وزادك اللـه إعـزازًا وتمكينا.. أنت الكتاب كتاب الدهر أسطره.. وَعَت حوادث هذا الكـون تدوينا.. فكم ملوك على الشطين قد نزلوا.. كانوا فراعين أو كانوا سلاطينا.. فنونهم كن للأيام معجزة.. وحكمهم كان للدنيا قوانينا".


ويخاطب شاعر الأطلال إبراهيم ناجى شباب النيل فيضع على عاتقه نهضة مصر وحريتها وحمايتها: "سلامًا شباب النيل فى كل موقف.. على الدهر يجنى المجد أو يجلب الفخر".

 

العقاد
ويستعيد الأديب عباس محمود العقاد ذكريات الأسلاف والعصور التى مرت على ضفتى النيل فيقول: "إنى سعدت بقدر ما استرجعت لى.. يا نيل مـن حقــب ومـن أســـلاف.. وبدت لنا صـور العصــور كــأنها.. رسم على صفحـات مــائك طــاف".


لم يتوقف الحديث عن النيل الخالد على الأدباء والشعراء فقط، بل تضمن أيضًا اجتهادات وخلاصة بحث ورحلات المستكشفين عبر العصور المختلفة ففى كتاب "رحلات لاكتشاف مصدر النيل فى السنوات 1768-73"، والذى نشره جيمس بروس فى خمسة مجلدات.


اكتسب العمل شعبية كبيرة، لكن هاجمه الرحالة الآخرون وشككوا فى مصداقيته، وكانت الفترة التى كتب فيها «بروس» الكتاب بعد اثنى عشر عامًا من عودته من أفريقيا، حيث كانت حجة مهمة لمنتقديه، لكن الدقة الكبيرة لكل ما يتعلق برحلاته الحبشية جعلته مصدرًا مهمًا.


كتب بروس سيرة ذاتية، طبع جزءًا منها فى كتاب الرحلات، ونشرت أعوام 1805 و1813، مصحوبة بملاحظة حول السيرة بقلم المحرر ألكساندر موراى.


وفى عام 1926 صدر أحد أهم الكتب حول نهر النيل بعنوان "النيل عند الفراعنة والعرب" من تأليف أنطوان زكى، والذى يوضح فى كتابه أن حياة المصريين وأقدارهم ارتبطت منذ القِدم بنهر النيل، حيث استقروا على ضفافه مؤسسين حضارة كبرى، لعبت فيها الزراعة الدور الأكبر، وصبغت بطبيعتها المستقرة المتوكلة السلوك الجمعى للمصريين، وهو الأمر الذى ظهر بوضوح فى تمجيدهم للنيل ليصبح "إله النماء" الذى يمنع عنهم القحط والجدب؛ فكانوا يفزعون إلى المعابد مُصلين ومُقدمين القرابين أن تأخر "حابي" عن موعد فيضانه السنوى المعلوم، الذى ينتظرونه بشوق ليروى الأرض ويجدد خصوبتها.


وبشكل مختلف تناول الكاتب «إميل لودفيج» نهر النيل والحياة الاجتماعية التى نشأت على ضفافه، وذلك فى كتابه «النيل حياة نهر» والذى صدر عام 1935.


الكتاب لا يتناول عِلمًا بعينه من علوم المعرفة، فلم يتطرَّق إلى جغرافيا النيل أو تاريخ شعوبه بإسهاب، فربما تناوَل أجزاء من كلِّ ذلك بشكل يُلائِم فكرته التى يطرحها، أو القضية التى يناقشها وهى "حياة النهر" فذكر فصولًا قصيرة مما رأى؛ مثل: أنواع الحيوانات والعصبيات العرقية فهو يرصد التاريخ من حيث الأحوال الاجتماعية، فيسرد أحوال النيل فى مصر بعيون فلَّاحيها، الذين عاشوا أوثقَ عِشرَة للنيل فى كل زمن.


وحديثا احتل كتاب «النيل.. مدن وحضارات على ضفاف نهر» للكاتب الدكتور نزار الصياد، والصادر عن دار الشروق مكانة مهمة فى مكتبة الأدب حول نهر النيل.


ويتناول الكتاب تاريخ المدن والحضارات التى ظهرت واندثرت على ضِفاف هذا النهر العظيم من مناطق المنابع وحتى فروع المصب خلال خمسة آلاف سنة.


ومن أجواء الكتاب: بعيدًا من خط الاستواء، وفى وسط أفريقيا يولد النيلُ الخالد، أطول أنهار العالم، تلدُه أمٌّ وقور ما كانت تظن أنه سيكون لولدها شأن وأنه سيصنع التاريخ، إذ أصبح مسرحًا للكثير من الأحداث التى شكّلت المدن والحضارات المختلفة على ضِفافه.


يأخذنا هذا الكتاب فى رحلة تاريخية طويلة إلى العديد من دول حوض النيل تتقاطع فيها العواملُ الطبيعية مع التدخلات الإنسانية.


وفى الطريق يسرد الكتاب فقرات من تاريخ منف، طيبة، العمارنة، نباتة، مورى، الإسكندرية، الفيوم، القاهرة، دمياط، المنصورة، جوندر، رشيد، الخرطوم، أم درمان، وأسوان.

 

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية